فصل: 1659- باب في الانْتهَاءِ عَمّا نَهَى عَنْهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي للمباركفوري ***


41- كتاب العلم

وقع في بعض النسخ بسم الله الرحمن الرحيم أبواب العلم‏.‏

1643- باب إِذَا أَرَادَ الله بِعَبْدٍ خَيْراً فَقّهَهُ في الدّين

2715- حَدّثنا عَلِيّ بنُ حُجْرٍ، حدثنَا إِسْمَاعِيلُ بنُ جَعْفَرٍ، حَدّثَنِي عَبْدُ الله بنُ سَعِيدِ بنِ أَبي هِنْدٍ، عن أَبِيِه، عن ابنِ عَبّاسٍ أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏مَنْ يُرِدِ الله بِهِ خَيْراً يُفَقّهْهُ في الدّينِ‏"‏‏.‏

وفي البابِ عن عُمَرَ وَأَبي هُرَيْرَةَ وَمُعَاوِيَةَ‏.‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏من يرد الله به خيراً‏)‏ قال الحافظ‏:‏ نكر خيراً ليشمل القليل والكثير والتنكير للتعظيم لأن المقام يقتضيه ‏(‏يفقهه‏)‏ بتشديد القاف وفي حديث عمر عند ابن أبي عاصم في كتاب العلم يفهمه بالهاء المشددة المكسورة بعدها ميم‏.‏

قال الحافظ‏:‏ وإسناده حسن، والفقه هو الفهم، قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏لا يكادون يفقهون حديثاً‏}‏ أي لا يفهمون‏.‏ والمراد الفهم في الأحكام الشرعية، يقال فقه بالضم‏:‏ إذا صار الفقه له سجية، وفقه بالفتح‏:‏ إذا سبق غيره إلى الفهم، وفقه بالكسر إذا فهم ومفهوم الحديث أن من لم يتفقه في الدين أي يتعلم قواعد الإسلام وما يتصل بها من الفروع فقد حرم الخير‏.‏ وقد أخرج أبو يعلى حديث معاوية من وجه آخر ضعيف وزاد في آخره‏:‏ ومن لم يتفقه في الدين لم يبال الله به‏.‏ والمعنى صحيح لأن من لم يعرف أمور دينه لا يكون فقيهاً ولا طالب فقه فيصح أن يوصف بأنه ما أريد به الخير‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن عمر وأبي هريرة ومعاوية‏)‏ أما حديث عمر فأخرجه ابن أبي عاصم في كتاب العلم، وأما حديث أبي هريرة فأخرجه ابن ماجة، وأما حديث معاوية وهو ابن أبي سفيان فأخرجه أحمد والشيخان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد‏.‏

1644- باب فَضْلِ طَلَب الْعِلْم

2716- حَدّثنا مَحمُودُ بنُ غَيْلاَنَ، حدثنا أَبُو أُسَامَةَ، عن الأعْمَشِ عن أَبي صَالحٍ، عن أَبي هُرَيْرَةَ قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏مَنْ سَلَكَ طَرِيقاً يَلْتَمسُ فِيِه عِلْماً سَهّلَ الله لَهُ طَرِيقاً إِلَى الْجَنّةِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ‏.‏

2717- حدّثنا نَصْرُ بنُ عَلِيّ، أخبرنا خالِدُ بنُ يَزِيدَ العتكي، عن أَبي جَعْفَرٍ الرّازِيّ، عن الرّبِيعِ بنِ أَنَسٍ، عن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏مَنْ خَرَجَ في طَلَبِ الْعِلْمِ كان في سَبِيلِ الله حَتّى يَرْجِعَ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ‏.‏ وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ فَلَمْ يَرْفَعْهُ‏.‏

2718- حدّثنا مُحمّدُ بنُ حُمَيْدٍ الرّازِيّ، أَخْبَرنَا مُحمّدُ بن المُعَلّي، أَخْبَرنَا زِيَادُ بنُ خَيْثَمَةَ، عن أَبي دَاودَ، عن عَبْدِ الله بنِ سَخْبَرَةَ، عن سَخْبَرَةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏مَنْ طَلَبَ الْعِلْمَ كَانَ كَفّارَةً لِمَا مَضَى‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ ضَعِيفُ الاْسْنَادِ‏.‏ أَبُو دَاوُدَ نُفَيْعٌ الأَعْمَى، يُضَعّفُ في الْحَدِيثِ وَلاَ نَعْرِفُ لِعَبْدِ الله بنِ سَخْبَرَةَ كَبِيرَ شَيْءٍ وَلاَ لأِبِيِه‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏من سلك‏)‏ أي دخل أو مشي ‏(‏طريقاً‏)‏ أي حسية أو معنوية ‏(‏يلتمس فيه‏)‏ أي يطلب فيه والجملة حال أو صفة ‏(‏علماً‏)‏ نكرة ليشمل كل نوع من أنواع علوم الدين قليلة أو كثيرة إذا كان بنية القربة والنفع والانتفاع‏.‏ وفيه استحباب الرحلة في طلب العلم‏.‏ وقد ذهب موسى إلى الخضر عليهما الصلاة والسلام وقال هل‏:‏ ‏{‏هل اتبعك على أن تعلمن عما علمت رشداً‏}‏ ورحل جابر بن عبد الله من مسيرة شهر إلى عبد الله بن قيس في حديث واحد ‏(‏طريقاً‏)‏ أي موصلا ومنهياً ‏(‏إلى الجنة‏)‏ مع قطع العقبات الشاقة دونها يوم القيامة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن‏)‏ وأخرجه مسلم مطولا‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا خالد بن يزيد العتكي‏)‏ بفتح العين المهملة والفوقية الأزدي البصري صاحب اللؤلؤ صدوق يهم من الثامنة ‏(‏عن أبي جعفر الرازي‏)‏ التميمي مولاهم مشهور بكنيته، واسمه عيسى بن أبي عيسى عبد الله بن ماهان، وأصله من مرو، وكان يتجر إلى الري صدوق سيء الحفظ خصوصاً عن مغيرة، من كبار السابعة ‏(‏عن الربيع بن أنس‏)‏ البكرى أو الحنفي بصري نزل خراسان صدوق له أوهام رمي بالتشيع من الخامسة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من خرج‏)‏ أي من بيته أو بلده ‏(‏في طلب العلم‏)‏ أي الشرعي فرض عين أو كفاية ‏(‏فهو في سبيل الله‏)‏ أي في الجهاد لما أن في طلب العلم من إحياء الدين وإذلال الشيطان وإتعاب النفس كما في الجهاد ‏(‏حتى يرجع‏)‏ أي إلى بيته‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه الدارمي والضياء المقدسي‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا محمد بن المعلى‏)‏ بن عبد الكريم الهمداني اليامي بالتحتانية الكوفي، نزيل الري، صدوق من الثامنة ‏(‏أخبرنا زياد بن خيثمة‏)‏ الجعفي الكوفي ثقة من السابعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من طلب العلم‏)‏ أي العلم الشرعي ليعمل به ‏(‏كان‏)‏ أي طلبه للعلم ‏(‏كفارة‏)‏ وهي ما يستر الذنوب ويزيلها من كفر إذا ستر ‏(‏لما مضى‏)‏ أي من ذنوبه قيل هذا الحديث مع ما فيه من الضعف مخالف للكتاب والسنن المشهورة في إيجب الكفارات والحدود إلا إذا قلنا بالتخصيص يعني بالصغائر وهو موضع بحث‏.‏ كذا في زين العرب نقله السيد، والظاهر أن الكفارة مختصة بالصغائر أو بحقوق الله التي ليس لها تدارك أو يشمل حقوق العباد التي لا يمكن تداركه لها‏.‏ ويمكن أن يكون المعنى‏:‏ أن طلب العلم وسيلة إلى ما يكفر به ذنوبه كله من التوبة ورد المظالم وغيرها‏.‏‏.‏ كذا في المرقاة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث ضعيف الإسناد‏)‏ وأخرجه الدارمي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أبو داود اسمه نفيع الأعمى‏)‏ مشهور بكنيته كوفي، ويقال له نافع ‏(‏يضعف في الحديث‏)‏ قال الحافظ متروك، وقد كذبه ابن معين من الخامسة ‏(‏ولا نعرف‏)‏ يفتح النون وكسر الراء أو بضم التحتية وفتح الراء ‏(‏لعبد الله بن سخبرة‏)‏ قال في تهذيب التهذيب‏:‏ روى عن أبيه وعنه أبو داود الأعمى، روى له الترمذي حديثاً واحداً وضعفه، وقال في التقريب مجهول من الرابعة ‏(‏كبير شيء‏)‏ أي كثير شيء من الأحاديث ‏(‏ولا لأبيه‏)‏ هو سخبرة بفتح السين المهملة وسكون الخاء المعجمة وفتح الموحدة وبالراء‏.‏ قال في التقريب‏:‏ سخبر في إسناد حديثه ضعف وعند الترمذي عن سخبرة وليس بالأزدي، وقال، غير هو الأزدي‏.‏

1645- باب ما جَاءَ في كِتْمَانِ العِلْم

2719- حَدّثنا أَحْمَدُ بنُ بُدَيْلِ بنِ قُرَيْشٍ اليَامِيّ الكُوفِيّ، حدثنَا عَبْدُ الله بنُ نُمَيْرٍ، عن عُمَارَةَ بنِ زَاذَانَ عن عَلِيّ بنِ الْحَكَمِ عن عَطَاءٍ، عن أَبي هُرَيْرَةَ قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏مَنْ سُئِلَ عن عِلْمِ عَلِمَهُ ثم كَتَمَهُ أُلْجِمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ‏"‏‏.‏

وفي البابِ عن جَابِرٍ وَ عَبْدِ الله بنِ عَمْرٍو‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حَدِيثُ أَبي هُرَيْرَةَ حديث حَسَنٌ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن عمارة بن زاذان‏)‏ الصيدلاني أبي سلمة البصري صدوق كثير الخطأ من السابعة ‏(‏عن علي بن الحكم‏)‏ البناني بضم الموحدة وبنونين الأولى خفيفة كنيته أبو الحكم البصري ثقة ضعفه الأزدي بلا حجة من الخامسة ‏(‏عن عطاء‏)‏ هو ابن أبي رباح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من سئل عن علم علمه‏)‏ وهو علم يحتاج إليه السائل في أمر دينه ‏(‏ثم كتمه‏)‏ بعدم الجواب أو بمنع الكتاب ‏(‏ألجم‏)‏ أي أدخل في فمه لجام لأنه موضع خروج العلم والكلام‏.‏ قال الطيبي‏:‏ شبه ما يوضع في فيه من النار بلجام في فم الدابة بلجام من نار مكافأة له حيث ألجم نفسه بالسكوت، وشبه بالحيوان الذي سخر ومنع من قصده ما يريده، فإن العالم من شأنه أن يدعو إلى الحق‏.‏ قال ابن حجر‏:‏ ثم هنا استبعادية لأن تعلم العلم إنما يقصد لنشره ونفعه الناس وبكتمه يزول ذلك الغرض الأكمل فكان بعيداً ممن هو في صورة العلماء والحكماء‏.‏ قال السيد‏:‏ هذا في العلم اللازم التعليم كاستعلام كافر عن الإسلام ما هو‏؟‏ وحديث عهد به عن تعليم صلاة حضر وقتها، وكالمستفتي في الحلال والحرام فإنه يلزم في هذه الأمور الجواب لا نوافل العلوم الغير الضررية وقيل العلم هنا علم الشهادة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن جابر وعبد الله بن عمرو‏)‏ أما حديث جابر فأخرجه ابن ماجة عنه مرفوعاً‏:‏ إذا لعن آخر هذه الأمة أولها، فمن كتم حديثاً فقد كتم ما أنزل الله‏.‏ قال المنذري‏:‏ فيه انقطاع، وأما حديث عبد الله بن عمر فأخرجه ابن حبان في صحيحه بنحو حديث أبي هريرة والحاكم وقال صحيح لا غبار عليه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حديث أبي هريرة حديث حسن‏)‏ وأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي والحاكم وقال صحيح والحديث سكت عنه وأبو داود، وقال المنذري بعد نقل تحسين الترمذي ما لفظه‏:‏ وقد روى عن أبي هريرة من طرق فيها مقال والطريق الذي خرج بها أبو داود طريق حسن فإنه رواه عن التبوذكي، وقد به البخاري ومسلم عن حماد بين سلمة وقد احتج به مسلم، واستشهد به البخاري عن علي بن الحكم البناني‏.‏ قال الإمام أحمد‏:‏ ليس فيه بأس‏.‏ وقال أبو حاتم الرازي‏:‏ لا بأس به، صالح الحديث عن عطاء بن أبي رباح، وقد اتفق الإمامان على الاحتجاج به، وقد روى هذا الحديث أيضاً من رواية عبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر بن الخطاب وعبد الله بن عمرو بن العاص وأبي سعيد الخدري وجابر بن عبد الله وأنس بن مالك وعمر بن عبسة وعلي ابن طلق وفي كل مها مقال انتهى‏.‏

1646- باب ما جَاءَ في الاسْتِيصاَءِ بِمنْ يَطْلُبُ الْعِلم

2720- حَدّثنا سُفْيَانُ بنُ وَكِيعٍ، حدثنَا أَبُو دَاوُدَ الْحَفْرِيّ، عن سُفْيَانَ، عن أَبي هَارُونَ العَبَدي قالَ، كُنّا نَأَتِي أَبَا سَعِيدٍ فَيَقُولُ مَرْحَبَاً بِوَصِيّةِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم إِنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏إِنّ النّاسَ لَكُمْ تَبَعٌ وَإِنّ رِجَالاً يَأْتُونَكُمْ مِنْ أَقْطَارِ الأَرْضِ يَتَفَقّهُونَ في الدّينِ، فَإِذَا أَتَوْكُمْ فَاسْتَوْصُوا بِهِمْ خَيْراً‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ قَالَ عَلِيّ بنُ عَبْدِ الله، قالَ يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ‏:‏ كَانَ شُعْبَةُ يُضَعّفُ أَبَا هَارُونَ العَبْدِيّ‏.‏ قالَ يَحْيَىَ بن سعيد‏:‏ وَمَا زَالَ ابنُ عَوْنٍ يَرْوِي عن أَبِي هَارُونَ العَبْدِيّ حَتّى مَاتَ‏.‏ وَأَبُو هَارُونَ اسْمُهُ عُمَارَةُ بنُ جُوَيْنٍ‏.‏

2721- حدّثنا قُتَيْبَة، حدثنَا نُوحُ بنُ قَيْسٍ، عن أَبِي هَارُونَ العَبْدِيّ عن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏يَأْتِيكُمْ رِجَالٌ مِنْ قِبَلِ المَشْرِقِ يَتَعَلّمُونَ، فَإِذَا جَاؤوكُمْ فَاسْتَوْصُوا بِهِمْ خَيْراً‏"‏‏.‏ قالَ، فَكَانَ أَبُو سَعِيدٍ إِذَا رَآنَا قالَ‏:‏ مَرْحَباً بِوَصِيّةِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم قالَ هذا حديثٌ لاَ نَعْرِفُهُ إِلاّ مِنْ حَدِيثِ أَبي هَارُونَ العَبْدِيّ عن أَبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن سفيان‏)‏ هو الثوري ‏(‏من أبي هارون‏)‏ اسمه عمارة بن جوين بجيم مصغراً العبدي مشهور بكنيته متروك، ومنهم من كذبه، شيعي من الرابعة ‏(‏فيقول مرحباً بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ قال المناوي‏:‏ أي رحبت بلادكم واتسعت وأتيتم أهلا فلا تستوحشوا بوصيته صلى الله عليه وسلم ‏(‏إن الناس لكم تبع‏)‏ جمع تابع كخدم جمع خادم والخطاب لعلماء الصحابة، يعني إن الناس يتبعونكم في أفعالكم وأقوالكم لأنكم أخذتم عني مكارم الأخلاق، وفيه مأخذ لتسمية التابعي تابعياً وإن كانت التبعية عامة بواسطة أو بغير واسطة، ولكن المطلق ينحرف إلى الكامل ‏(‏من أقطار الأرض‏)‏ جمع قطر‏:‏ بضم القاف وسكون الطاء المهملة‏:‏ الناحية والجانب أي من جوانبها ‏(‏يتفقهون في الدين‏)‏ أي يطلبون الفقه والفهم فيه، والجملة استئنافية لبيان علة الإتيان أو حال من المرفوع في يأتونكم وهو أقرب إلى الذوق، قاله الطيبي ‏(‏فإذا أتوكم‏)‏ أي بهذا القصد، وأثر إذا على إن لإفادتها تحقيق وقوع هذا الأمر من أعلام نبوته لوقوع ذلك كما أخبر به ‏(‏فاستوصوا بهم خيراً‏)‏ أي في تعليمهم علوم الدين وتحقيقهم اطلبوا الوصية والنصيحة بهم من أنفسكم، فالسين للطلب والكلام من باب التجريد، أي ليجرد كل منكم شخصاً من نفسه ويطلب منه التوصية في حق الطالبين ومراعاة أحوالهم، وقيل الاستصياء طلب الوصية من نفسه إو من غيره، بأحد أو بشيء‏.‏ يقال استوصيت زيداً بعمرو خيراً، أي طلبت من زيد أن يفعل بعمرو خيراً والباء في بهم للتعدية، وقيل الاستصياء قبول الوصية ومعناه اقبلوا الوصية مني بإيتائهم خيراً وقيل معناه مروهم، بالخير وعظوهم وعلموهم إياه كذا في المرقاة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال علي بن عبد الله‏)‏ هو ابن المديني ‏(‏قال يحيى بن سعيد‏)‏ هو القطان ‏(‏وما زال ابن عون‏)‏ اسمه عبد الله عون بن أرطبان أبو عون البصري ثقة ثبت فاضل من أقران أيوب في العلم والعمل والسن من السادسة‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏يأتيكم رجال من قبل المشرق‏)‏ ورواه ابن ماجة من طريق الحكم عن أبي هارون عن أبي سعيد رضي الله عنه بلفظ‏:‏ سيأتيكم أقوام يطلبون العلم، فإذا رأيتموهم فقولوا لهم مرحباً مرحباً بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقنوهم، قلت للحكم‏:‏ ما أقنوهم‏؟‏ قال علموهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وهذا حديث الخ‏)‏ وهو ضعيف لضعف أبي هارون، وأخرجه أيضاً ابن ماجة‏.‏

1647- بابُ ما جَاءَ في ذَهَابِ الْعلْم

2722- حَدّثنا هَارُونُ بنُ إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيّ، حدثنا عَبْدَةُ بنُ سُلَيْمَانَ عن هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عن أَبِيِه، عن عَبْدِ الله بنِ عَمْرِو بنِ الْعَاصِ قَالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إِنّ الله لاَ يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعاً يَنْتَزِعُهُ مِنَ النّاسِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ العُلَمَاءِ، حَتّى إِذَا لَمْ يَتْرُكْ عَالِماً اتّخَذَ النّاسُ رُؤُوسَاً جُهّالاً فَسُئِلُوا فَأَفْتَوا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلّوا وَأَضَلّوا‏"‏‏.‏

وفي البابِ عن عَائِشَةَ وَزِيَادِ بنِ لَبِيدٍ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ الزّهْرِيّ عن عُرْوَةَ عَنْ عَبْدِ الله بنِ عَمْرٍو، وَعَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَ هَذَا‏.‏

2723- حدّثنا عَبْدُ الله بنُ عَبْدِ الرحمنِ، انبانا عَبْدُ الله بنُ صَالِحٍ، حدثني مُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ، عَنْ عَبْدِ الرحمنِ بنِ جُبَيْرِ بنِ نُفَيْرٍ، عَنْ أَبِيِه جُبَيْرِ بنِ نُفَيْرٍ عن أَبي الدّرْدَاءِ قَالَ‏:‏ ‏"‏كُنّا مَعَ النبيّ صلى الله عليه وسلم فَشَخَصَ بِبَصَرِهِ إِلَى السّمَاءِ، ثُمّ قَالَ‏:‏ هَذَا أَوَانُ يُخْتَلَسُ العِلْمُ مِنَ النّاسِ حَتّى لاَ يَقْدِرُوا مِنْهُ عَلَى شَيْءٍ‏.‏ فَقَالَ زِيَادُ بنُ لَبِيْدٍ الأنْصَارِيّ‏:‏ كَيْفَ يُخْتَلَسُ مِنّا، وَقَدْ قَرَأْنَا الْقُرْآنَ فَوَالله لَنقْرَأَنّهُ، وَلَنُقْرِئَنّهُ نِسَاءَنَا وَأَبْنَاءَنَا‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ ثَكِلَتْكَ أُمّكَ يَا زِيَادُ إِنْ كُنْتَ لأَعُدّكَ مِنْ فُقَهَاءِ أَهْلِ المَدِينَةِ‏:‏ هَذِهِ التّوْرَاةُ وَالإِنْجِيلُ عِنْدَ اليَهُودِ وَالنّصَارَى فَمَاذَا تُغْنِي عَنْهُمْ‏؟‏ قَالَ جُبَيْرٌ‏:‏ فَلَقَيْتُ عُبَادَةَ بنَ الصّامِتِ فَقُلْتُ أَلاَ تَسْمَعُ إلى مَا يَقُولُ أَخُوكَ أَبُو الدّرْدَاءِ‏؟‏ فَأَخْبَرْتُهُ بِالّذِي قَالَ أَبُو الدّرْدَاءِ، قَالَ صَدَقَ أَبُو الدّرْدَاءِ إِنْ شِئْتَ لأَحَدّثَنّكَ بِأَوّلِ عِلْمٍ يُرْفَعُ مِنَ النّاسِ‏:‏ الْخُشُوعُ، يُوْشِكَ أَنْ تَدْخُلَ مَسْجِدَ الْجَامِعِ فَلاَ تَرَى فِيِه رَجُلاً خَاشِعاً‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ‏.‏ وَمُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ، ثِقَةٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ‏.‏ وَلاَ نَعْلَمُ أَحَداً تَكَلّمَ فِيِه غَيْرَ يَحْيَى بنِ سَعِيدٍ القَطَانِ‏.‏ وَقَدْ رُوِيَ عن مُعَاوِيَةَ بنِ صَالحٍ نَحْوُ هَذَا، وَرَوَى بَعْضُهُمْ هَذَا الْحَدِيثَ عن عَبْدِ الرحمنِ بنُ جُبَيْرِ بنِ نُفَيْرِ، عن أَبِيِه، عن عَوْفِ بنِ مَالِكٍ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً‏)‏ أي محواً من الصدور، والمراد به علم الكتاب والسنة وما يتعلق بهما‏.‏ قال القاري‏:‏ انتزاعاً مفعول مطلق على معنى يقبض، نحو رجع القهقري وقوله‏:‏ ‏(‏ينتزعه من الناس‏)‏ صفة مبينة للنوع كذا قاله السيد جمال الدين‏.‏ وقال ابن الملك‏:‏ انتزاعاً مفعول مطلق للفعل الذي بعده والجملة حالية يعني لا يقبض العلم من الناس بأن يرفعه من بينهم إلى السماء ‏(‏ولكن يقبض العلم‏)‏ أي يرفعه ‏(‏يقبض العلماء‏)‏ أي بموتهم وقبض أرواحهم ‏(‏حتى إذا لم يترك‏)‏ أي الله تعالى ‏(‏اتخذ الناس رؤوساً‏)‏ قال النووي‏:‏ ضبطناه في البخاري رؤوساً بضم الهمزة والتنوين جمع رأس، وضبطوه في مسلم هنا بوجهين أحدهما هذا والثاني رؤساء جمع رئيس وكلاهما صحيح والأول اشهر انتهى‏.‏ قال الحافظ في الفتح بعد نقل كلام النووي هذا‏:‏ وفي رواية أبي ذر أيضاً بفتح الهمزة وفي آخره همزة أخرى مفتوحة جمع رئيس ‏(‏فأقتوا‏)‏ من الإفتاء أي أجابوا وحكموا ‏(‏بغير علم‏)‏ وفي رواية أبي الأسود في الاعتصام عند البخاري‏:‏ فيفتون برأيهم ‏(‏فضلوا‏)‏ أي صاروا ضالين ‏(‏وأضلوا‏)‏ أي مضلين لغيرهم‏.‏ وفي الحديث الحث على حفظ العلم والتحذير من ترئيس الجهلة، وفيه أن الفتوى هي الرياسة الحقيقية وذم من يقدم عليها بغير علم، واستدل به الجمهور على القول بخلو الزمان عن مجتهد ولله الأمر يفعل ما يشاء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن عائشة وزياد بن لبيد‏)‏ أما حديث عائشة فلينظر من أخرجه، وأما حديث زياد بن لبيد فأخرجه أحمد وابن ماجة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد والشيخان وابن ماجة‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏فشخص ببصره‏)‏ أي رفعه ‏(‏هذا أوان‏)‏ أي وقت ‏(‏يختلس العلم من الناس‏)‏ أي يختطف ويسلب علم الوحي منهم والجملة صفة أوان ‏(‏حتى لا يقدروا منه‏)‏ أي من العلم ‏(‏على شيء‏)‏ أي من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ابن الملك‏.‏ قاله القاري‏:‏ والأظهر على شيء من العلم قال الطيبي‏:‏ فكأنه عليه الصلاة والسلام لما نظر إلى السماء كوشف باقتراب أجله فأخبر بذلك ‏(‏فقال زياد بن لبيد الأنصاري‏)‏ الخزرجي خرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة فأقام معه حتى هاجر، فكان يقال له مهاجري أنصاري ‏(‏وقد قرأنا القرآن فوالله لنقرأنه ولنقرئنه نساءنا وأبناءنا‏)‏ يعني والحال أن القرآن مستمر بين الناس إلى يوم القيامة كما يدل عليه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون‏}‏ ‏(‏قال ثكلتك أمك‏)‏ أي فقدتك، وأصله الدعاء بالموت ثم يستعمل في التعجب ‏(‏إن كنت‏)‏ إن مخففة من الثقيلة بدليل اللام الأنيسة الفارقة واسمها ضمير الشأن محذوف، أي أن الشأن كنت أنا ‏(‏لأعدك‏)‏ وفي رواية لأراك ‏(‏فماذا تغني عنهم‏)‏ أي فماذا تنفعهم وتفيدهم، وفي حديث زيادبن لبيد عند ابن ماجة أو ليس هذه اليهود والنصاري يقرؤون التوراة والإنجيل لا يعملون بشيء مما فيهما‏.‏ قال القاري‏:‏ أي فكما لم تفدهم قراءتهما مع عدم العلم بما فيهما فكذلك أنتم، والجملة حال من يقرأون أي يقرأون غير عاملين، نزل العالم الذي لا يعمل بعلمه منزلة الجاهل بل منزلة الحمار الذي يحمل أسفاراً بل أولئك كالأنعام بل هم أضل ‏(‏الخشوع‏)‏ قال في الجمع‏:‏ الخشوع في الصوت والبصر كالخضوع في البدن‏.‏

1648- باب فيمن يطلب بعلمه الدنيا

2724- حَدّثنا أَبُو الأَشْعَثِ، أَحْمَدُ بنُ المِقْدَامِ العِجْلِيّ الْبَصْرِيّ، حدثنَا أُمَيّةُ بنُ خَالِدٍ، حدثنَا إِسْحَاقُ بنُ يَحْيَى بنِ طَلْحَةَ، حدثني ابنُ كَعْبِ بنِ مَالِكٍ عن أَبِيِه، قالَ سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ‏:‏ ‏"‏مَنْ طَلَبَ الْعِلْمَ لَيُجَارِيَ بِهِ العُلَمَاءَ أَوْ لَيُمَارِيَ بِهِ السّفْهَاءَ وَيَصْرِفَ بِهِ وُجُوهَ النّاسِ إِلَيْهِ أَدْخَلَهُ الله النّارَ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ غريبٌ لاَ نَعْرِفُهُ إِلاّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ‏.‏ وَإِسْحَاقُ بنُ يَحْيَىَ بنِ طَلْحَةَ لَيْسَ بِذَاكَ القَوِيّ عِنْدَهُمْ، تُكَلّمَ فِيِه مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ‏.‏

2725- حدّثنا عَلِيّ بنُ نَصْرِ بنِ عَلِيّ، أَخبَرَنَا مُحّمَدُ بنُ عَبّادٍ الْهُنَائيّ أخبرنا عَلِيّ بنُ المُبَارَكِ، عن أَيُوبَ السّخْتِيَانيّ، عن خَالِدِ بنِ دُرَيْكٍ عن ابنِ عَمَرَ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏مَنْ تَعَلّمَ عِلْماً لِغَيْرِ الله أَوْ أَرَادَ بِهِ غَيْرَ الله فَلْيَتَبَوّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النّارِ‏"‏ وَفي الباب عن جابر‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ لا نعرفه من حديث ايوب إِلا من هذا الوجه‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثني ابن كعب بن مالك‏)‏ هو إما عبد الرحمن بن كعب أو عبد الله ابن كعب وهما من ثقات التابعين ‏(‏من طلب العلم‏)‏ أي لا لله بل ‏(‏ليجاري به العلماء‏)‏ أي يجري معهم في المناظرة والجدال ليظهر علمه في الناس رياء وسمعه كذا في المجمع ‏(‏أو ليماري به السفهاء‏)‏ جمع السفية وهو قليل العقل، والمراد به الجاهل أي ليجادل به الجهال، والمماراة من المرية وهي الشك فإن كل واحد من المتحاجين يشك فيما يقول صاحبه ويشككه مما يورد على حجته، أو من المرى وهو مسح الحالب ليستنزل ما به من اللبن، فإن كلا من المتناظرين يستخرج ما عند صاحبه كذا حققه الطيبي ‏(‏ويصرف به وجوه الناس إليه‏)‏ أي يطلبه بنية تحصيل المال والجاه وإقبال العامة عليه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب‏)‏ وأخرجه ابن ماجة عن ابن عمر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وإسحاق بن يحيى بن طلحة ليس بذاك القوى عندهم الخ‏)‏ قال في التقريب‏:‏ إسحاق بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله التيمي ضعيف من الخامسة‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا نصر بن بن علي‏)‏ وفي بعض النسخ حدثنا على بن نصر بن علي ابن نصر بن علي‏.‏ والظاهر أن هاتينن النسختين صحيحتان فإن نصر بن علي وابنه علي بن نصر بن علي كليهما من شيوخ الترمذي ومن أصحاب محمد بن عباد الهنائي أخبرنا محمد بن عباد الهنائي بضم الهاء وتخفيف النون أبو عباد البصري صدوق من التاسعة ‏(‏عن خالد بن دريك‏)‏ بالمهملة والراء والكاف مصغراً ثقة يرسل من الثالثة‏.‏ وفي تهذيب التهذيب‏:‏ روى عن ابن عمر وعائشة ولم يدركهما‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من تعلم علماً‏)‏ وفي حديث أبي هريرة عند أحمد وأبي داود‏:‏ من تعلم علماً مما يبتغي به وجه الله ‏(‏لغير الله‏)‏ من نحو الجاه وجلب الدنيا ‏(‏أو أراد به غير الله‏)‏ الظاهر أن أو للشك ‏(‏فليتبوأ مقعده من النار‏)‏ أي فليتخذ له فيها منزلا فإنها داره وقراره‏.‏ والحديث فيه انقطاع فإن خالد بن دريك لم يدرك ابن عمر رضي الله عنه، وأخرجه أيضاً ابن ماجة من طريق محمد ابن عباد المذكور‏.‏

1649- باب ما جَاءَ في الْحَثّ عَلَى تَبْلِيغِ السّماع

2726- حَدّثنا مَحمُودُ بنُ غَيْلاَنَ، حدثنَا أَبُو دَاوُدَ، أخبرنا شُعْبَةُ أخبرني عُمَرُ بنُ سُلَيْمَانَ مِنْ وَلَدِ عُمَرَ بنِ الْخَطّابِ‏.‏ قالَ سَمِعْتُ عَبْدَ الرّحْمَنِ بنَ أَبَانِ بنِ عُثْمَانَ يُحَدّثُ عن أَبِيِه قالَ‏:‏ خَرَجَ زَيْدُ بنُ ثَابِتٍ مِنْ عِنْدِ مَرْوَانَ نِصْفَ النّهَارِ، قُلْنَا مَا بَعَثَ إِلَيْهِ في هَذِهِ السّاعَةَ إِلاّ لِشَيْءِ يَسْأَلُهُ عَنْهُ، فَقُمْنَا فَسَأَلْنَاهُ، فَقَالَ نَعَمْ سَأَلْنَا عَنْ أَشْيَاءَ سَمِعْنَاهَا مِنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ‏:‏ ‏"‏نَضّرَ الله امْرَأً سَمِعَ مِنّا حَدِيثاً فَحَفِظَهُ حَتّى يُبَلّغَهُ غَيْرَهُ، فَرُبّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ، وَرُبّ حَامِلِ فِقْهٍ لَيْسَ بِفَقِيهٍ‏"‏‏.‏ وفي البابِ عن عَبْدِ الله بنِ مَسْعُودٍ وَمُعَاذِ بنِ جَبَلٍ وَجُبَيْرِ بنُ مُطْعِم وَأَبِي الدّرْدَاءِ وَأَنَسٍ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حَدِيثُ زَيْدِ بنِ ثَابِتٍ حديثٌ حسنٌ‏.‏

2727- حدّثنا مَحمُودُ بنُ غَيْلاَنَ، حدثنا أَبُو دَاوُدَ، أَنْبَأَنَا شُعْبَةُ عن سِمَاكِ بنِ حَرْبٍ قالَ سَمِعْتُ عَبْدَ الرحمنِ بنَ عَبْدِ الله بنِ مَسْعُودٍ يُحَدّثَ عن أَبِيِه قالَ‏:‏ سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ‏:‏ ‏"‏نَضّرَ الله امْرَأً سَمِعَ مِنّا شَيْئاً فَبَلّغَهُ كَمَا سَمِعَهُ فَرُبّ مُبَلّغِ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وَقد رواه عبدُ الملكِ بنُ عميرٍ عن عبد الرحمن بن عبد الله‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرني عمر بن سليمان من ولد عمر بن الخطاب‏)‏ قال في التقريب‏:‏ عمر بن سليمان بن عاصم بن عمر بن الخطاب ثقة من السادسة ويقال اسمه عمرو ‏(‏سمعت عبد الرحمن بن أبان بن عثمان‏)‏ ابن عفان الأموي المدني ثقة مقل عابد من السادسة ‏(‏يحدث عن أبيه‏)‏ هو أبان عثمان بن عفان الأموي أبو سعيد وقيل أبو عبد الله مدني ثقة من الثالثة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏نضر الله‏)‏ قال التوربشتي‏:‏ النضرة الحسن والرونق يتعدى ولا يتعدى وروى مخففاً ومثقلاً انتهى‏.‏ وقال النووي‏:‏ التشديد أكثر‏.‏ وقال الأبهري‏:‏ روى أبو عبيدة بالتخفيف قال هو لازم ومتعدد، ورواه الأصمعي بالتشديد وقال المخفف لازم والتشديد للتعدية وعلى الأول للتكثير والمبالغة انتهى‏.‏ والمعنى خصه الله بالبهجة والسرور لما رزق بعلمه ومعرفته من القدر والمنزلة بين الناس في الدينا ونعمه في الاَخرة حتى يرى عليه رونق الرخاء والنعمة، ثم قي إنه إخبار يعني جعله ذا نضرة، وقيل دعاء له بالنضرة وهي البهجة والبهاء في الوجه من أثر النعمة ‏(‏فحفظه‏)‏ أي بالقلب أو بالكتابة ‏(‏فرب حامل فقه‏)‏ أي علم ‏(‏إلى من هو أفقه منه‏)‏ أي فرب حامل فقه قد يكون فقيهاً ولا يكون أفقه فيحفظه ويبلغه إلى من هو أفقه منه فيستنبط منه مالا يفهمه الحامل أو إلى من يصير أفقه منه، إشارة إلى فائدة النقل والداعي إليه‏.‏ قال الطيبي‏:‏ هو صفة لمدخول رب استغنى بها عن جوابها أي رب حامل فقه أداه إلى من هو أفقه منه ‏(‏ورب حامل فقه ليس بفقيه‏)‏ بين به أن راوي الحديث ليس الفقه من شرطه إنما شرطه الحفظ وعلى الفقيه التفهم والتدبر قاله المناوي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن عبد الله بن مسعود ومعاذ بن جبل وجبير بن مطعم‏)‏ وأبي الدرداءن وأنس‏.‏ أما حديث عبد الله بن مسعود فأخرجه الترمذين بعد هذا الحديث، وأما حديث معاذ بن جبل فلينظر من أخرجه‏:‏ وأما حديث جبير ابن مطعم فأخرجه أحمد وابن ماجة والطبراني في الكبير كذا في الترغيب، وأما حديث أبي الدوداء فأخرجه الدارمي، وأما حديث أنس فأخرجه ابن ماجة والطبراني في الأوسط‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حديث زيد بن ثابت حديث حسن‏)‏ وأخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجة والدارمي وسكت عنه أبو داود، ونقل المنذري تحسين الترمذي فأقره‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏سمع منا شيئاً‏)‏ وفي رواية ابن ماجة حديثاً بدل شيئاً‏.‏ قال الطيبي‏:‏ يعم الأقوال والأفعال الصادرة من النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم يدل عليه صيغة الجمع في منا‏.‏

قلت‏:‏ الظاهر عندي أن المعنى‏:‏ من سمع مني أو من أصحابي حديثاً من أحاديثي فبلغه الخ والله تعالى أعلم ‏(‏فلبغه كما سمعه‏)‏ أي من غير زيادة ونقصان، وخص مبلغ الحديث كما سمعه بهذا الدعاء لأنه سعى في نضارة العلم وتجديد السنة فجازاه بالدعاء بما يناسب حاله، وهذا يدل على شرف الحديث وفضلة ودرجة طلابه حيث خصهم النبي صلى الله عليه وسلم بدعاء لم يشرك فيه أحد من الأمة ولو لم يكن في طلب الحديث وحفظه وتبليغه فائدة سوى أن يستفيد بركة هذه الدعوة المباركة لكفى ذلك فائدة وغنماً وجل من الدارين حظاً وقسماً‏.‏

وقال محي السنة‏:‏ أختلف في نقل الحديث بالمعنى وإلى جوازه ذهب الحسن والشعبي والنخعي، وقال مجاهد‏:‏ انقص من الحديث ما شئت ولا تزد، وقال سفيان‏:‏ إن قلت حدثتكم كما سمعت فلا تصدقوني فإنما هو المعنى، وقال وكيع‏:‏ إن لم يكن المعنى واسعاً فقد هلك الناس، وقال أيوب عن ابن سيرين‏:‏ كنت أسمع الحديث عن عشرة واللفظ مختلف والمعنى واحد‏.‏ وذهب قوم إلى اتباع اللفظ منهم ابن عمر وهو قول القاسم بن محمد وابن سيرين ومالك بن أنس وابن عيينة‏.‏ وقال محي السنة‏:‏ الرواية بالمعنى حرام عند جماعات من العلماء وجائزة عند الأكثرين والأولى اجتنابها انتهى‏.‏

قلت‏:‏ مسألة الرواية بالمعنى مبسوطة في كتب أصول الحديث عليك أن تراجعها ‏(‏فرب‏)‏ للتقليل وقد ترد للتكثير ‏(‏مبلغ‏)‏ بفتح اللام وأوعى نعت له والذي يتعلق به رب محذوف وتقديره يوجد أو يكون، ويجوز على مذهب الكوفيين في أن رب اسم أن تكون هي مبتدأ وأوعى الخبر فلا حذف ولا تقدير والمراد رب مبلغ عن أوعي أي أفهم لما أقول من سامع مني، وصرح بذلك، أبو القاسم بن مندة في روايته من طريق هوذة عن ابن عون ولفظه‏:‏ فإنه عسى أن بعض من لم يشهد أوعى لما أقول من بعض من شهد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قوله هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد وابن ماجة وابن حبان‏.‏ قال المناوي وإسناده صحيح‏.‏

1650- باب ما جَاءَ في تَعْظِيمِ الكَذِبِ عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم

2728- حَدّثنا أَبُو هِشَامٍ الرّفَاعِيّ، أخبرنا أَبُو بَكْرِ بنِ عَيّاشٍ، أخبرنا عَاصِمٌ عن زِرٍ عَنْ عَبْدِ الله بن مسعودٍ قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏مَنْ كَذَبَ عَلَيّ مُتَعَمّداً فَلْيَتَبَوّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النّارِ‏"‏‏.‏

2729- حدّثنا إِسْمَاعِيلُ بنُ مُوسَى القَزَارِيّ ابنُ بنتِ السّدّيّ، حدثنا شَرِيكُ بنُ عَبْدِ الله عن مَنْصُورِ بنِ المُعْتَمِر عن رِبْعِيّ بنِ حِرَاشٍ، عَنْ عَلِيّ بنِ أَبِي طَالِبٍ قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لاَ تَكْذِبُوا عَلَيّ فَإِنهُ مَنْ كَذَبَ عَلَيّ يَلِجُ في النّارِ‏"‏‏.‏

وفي البابِ عَنْ أَبي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَالزّبَيْرِ وَسَعِيدِ بنِ زَيْدٍ وَعَبْدِ الله بنِ عَمْرٍو وَأَنَسٍ وَجَابِرٍ وَابنِ عَبّاسٍ وَأَبِي سَعِيدٍ وَعَمْرٍو بنِ عَبْسَةَ وَعُقْبَةَ بنِ عَامِرٍ وَمُعَاوِيَةَ وَبُرَيْدَةَ وَأَبي مُوسَى وَأَبي أُمَامَةَ وَعَبْدِ الله بنِ عمرو وَالمُنقَعِ وَأَوْسٍ الثّقَفِيّ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حَدِيثُ عَلِيّ بنِ أَبي طَالِبٍ، حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ قَالَ عَبْدُ الرّحْمَنِ بنُ مُهَدِيٍ‏:‏ مَنْصُورُ بنُ المُعْتَمِرِ أَثْبَتُ أَهْلِ الكُوفَةِ، وَقَالَ وَكِيعٌ‏:‏ لَمْ يَكْذِبْ رِبْعِيّ بنُ حِرَاشٍ في الإِسْلاَمِ كِذْبَةً‏.‏

2730- حدّثنا قُتَيْبَةُ حدثنا الّليْثُ بنُ سَعْدٍ عن ابنِ شِهَابٍ عن أَنَسٍ بنِ مَالِكٍ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏مَنْ كَذَبَ عَلَيّ- حَسِبْتُ أَنّهُ قَالَ مُتَعَمّداً- فَلْيَتَبَوّأَ بَيْتَهُ مِنَ النّارِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ مِنْ هذَا الوَجْهِ مِنْ حَدِيثِ الزّهْرِيّ عن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ‏.‏ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عن أَنَسٍ ‏(‏عن النبيّ صلى الله عليه وسلم‏)‏‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا عاصم‏)‏ هو ابن بهدلة ‏(‏عن زر‏)‏ بكسر الزاي وتشديد الراء وهو ابن حبيش ‏(‏عن عبد الله‏)‏ هو ابن مسعود‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من كذب علي‏)‏ قال الكرماني‏:‏ معنى كذب عليه نسب الكلام كاذباً إليه سواء كان عليه أو له انتهى قال القاري‏:‏ وبهذا يندفع زعم من جوز وضع الأحاديث للتحريض على العبادة كما وقع لبعض الصوفية الجهلة في وضع أحاديث في فضائل السور وفي الصلاة الليلية والنهارية وغيرهما، والأظهر أن تعديته بعلى لتضمين معنى الافتراء ‏(‏متعمداً‏)‏ نصب على الحال وليس حالا مؤكداً لأن الكذب قد يكون من غير تعمد وفيه تنبيه على عدم دخول النار فيه ‏(‏فليتبوأ مقعده من النار‏)‏ أي فليتخذ لنفسه منزلا يقال تبوأ الرجل المكان إذا اتخذه سكناً وهو أمر بمعنى الخبر أيضاً أو بمعنى التهديد أو بمعنى التهكم أو دعاء على فاعل ذلك أي بوأه الله ذلك‏.‏ قال الكرماني‏:‏ يحتمل أن يكون الأمر على حقيقته والمعنى من كذب فليأمر نفسه بالتبوأ ويلزم عليه كذا قال وأولها أولاها فقد رواه أحمد بإسناد صحيح عن ابن عمر بلفظ‏:‏ بني له بيت في النار قال الطيبي‏:‏ فيه إشارة إلى معنى القصد في الذنب وجزائه أي كما أنه قصد في الكذب التعمد فليقصد بجزائه التبوأ‏.‏ وحديث عبد الله بن مسعود هذا أخرجه ابن ماجة أيضاً‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏لا تكذبوا علي‏)‏ هو عام في كل كاذب مطلق في كل نوع من الكذب ومعناه لا تنسبوا الكذب إلى، ولا مفهوم لقوله على لأنه لا يتصور أن يكذب له لنهيه عن مطلق الكذب‏.‏ وقد اغتر قوم من الجهلة فوضعوا أحاديث في الترغيب والترهيب وقالوا نحو لم نكذب عليه بل فعلنا ذلك لتأييد شريعته وما دروا أن تقويله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل يقتضي الكذب على الله تعالى لأنه إثبات حكم من الأحكام الشرعية سواء كان في الإيجاب أو الندب وكذا مقابلهما وهو الحرام والمكروه، ولا يعتد بمن خالف من الكرامية حيث جوزوا وضع الكذب في الترغيب والترهيب في تثبيت ما ورد في القرآن والسنة‏.‏

واحتج‏:‏ بأنه كذب له لا عليه وهو جهل باللغة العربية، وتمسك بعضهم بما ورد في بعض طرق الحديث من زيادة لم تثبت وهي ما أخرجه البزار من حديث ابن مسعود بلفظ‏:‏ من كذب على ليضل به الناس الحديث‏.‏ وقد اختلف في وصله وإرساله ورجح الدارقطني والحاكم إرساله، وأخرجه الدارمي من حديث يعلى بن مرة بسند ضعيف وعلى تقدير ثبوته فليست اللام فيه للعلة بل للصيرورة كما فسر قوله تعالى ‏{‏فمن أظلم ممن أفترى على الله كذباً‏}‏ ليضل الناس، والمعنى إن مال أمره إلى الإضلال أو هو من تخصيص بعض أفراد العموم بالذكر فلا مفهوم له كقوله تعالى ‏{‏لا تأكلوا الربا أضعافاً مضاعفة‏}‏ ‏{‏ولا تقتلوا أولادكم من إملاق‏}‏ فإن قتل الأولاد ومضاعفة الربا والإضلال في هذه الاَيات إنما هو لتأكيد الأمر فيها لا اختصاص الحكم ‏(‏يلج في النار‏)‏ أي يدخلها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أبي بكر وعمر وعثمان الخ‏)‏ قد ذكر الحافظ السيوطي في كتابه الجامع الصغير أسماء من أخرج أحاديث هؤلاء الصحابة رضي الله تعالى عنهم أجمعين فإن شئت الوقوف على ذلك فارجع إليه قال ابن الجوزي‏:‏ رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم ثمانية وتسعون صحابباً منهم العشرة ولا يعرف ذلك لغيره، وخرجه الطبراني عن نحو هذا العدد، وذكر ابن دحية أن أخرج من نحو أربعمائة طريق، وقال بعضهم بل رواه مائتان من الصحابة وألفاظهم متقاربة والمعنى واحد ومنها‏:‏ من نقل عني ما لم أقله فليتبوأ مقعده من النار‏.‏ قالوا‏:‏ وذا أصعب ألفاظه وأشقها لشموله للمصحف واللحان والمحرف‏.‏ وقال ابن الصلاح‏:‏ ليس في مرتبته من المتواتر غيره‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والمنقع‏)‏ وفي بعض النسح المقنع بتقديم القاف على النون‏.‏ قال في هامش النسخة الأحمدية‏:‏ والمنقع ذكره ابن سعد في طبقات أهل البصرة من الصحابة فقال المنقع بن حصين بن يزيد وله رؤية ذكره الثلاثة في الصحابة بخط شيخنا‏.‏ قال ابن عبد البر‏:‏ الملفع بلام وفاء وهو ابن الحصين بن يزيد بن شبيب التميمي السعدي ويقال فيه المنقع بنون وقاف والله أعلم وقال أبو حاتم الرازي‏:‏ المنقع له صحبة انتهى رأيت في بعض الهوامش المنقع بالتشديد والمحفوظ بالتخفيف هذا في حاشية نسخة صحيحة منقولة من العرب انتهى‏.‏ ما في هامش النسخة الأحمدية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حديث علي بن أبي طالب حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من كذب علي‏)‏ وفي رواية الشيخين‏:‏ من تعمد علي كذبا ‏(‏حسبت أنه قال متعمداً‏)‏ هذا قول بعض الرواة والظاهر أنه قول ابن شهاب والضمير في أنه راجع إلى أنس‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان‏.‏

1651- باب ما جاءَ في مَنْ رَوَى حدِيثاً وَهُوَ يُرَى أَنّهُ كَذِب

2731- حَدّثنا محمد بن بشار بُنْدَارٌ، حدثنا عَبْدُ الرّحْمَنِ بنُ مَهْدِيّ، حدثنا سُفْيَان عن حَبِيبِ بنِ أَبي ثَابِتٍ عن مَيْمُونِ بنِ أَبي شَبِيبٍ عن المُغِيرَةِ بنِ شُعْبَةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏مَنْ حَدّثَ عَنّي حَدِيثاً وَهُوَ يُرَى أَنّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبِيِنَ‏"‏‏.‏

وفي البابِ عن عَلِيّ بنِ أَبي طَالِبٍ وَسَمُرَةَ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

وَرَوَى شُعْبَةُ عن الْحَكَمِ، عن عَبْدِ الرّحْمنِ بنِ أَبي لَيْلَى عن سَمُرَةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم هَذَا الْحَدِيثَ، وَرَوَى الأَعْمَشِ وَابنُ أَبي لَيْلَى عن الْحَكَمِ عن عَبْد الرحمنِ بنِ أَبي لَيْلَى عن عَلِيّ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، وَكَأَنَ حَدِيثُ عَبْدِ الرحمنِ بنِ أَبي لَيْلَى عن سَمُرَةَ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ أَصَحّ‏.‏ قالَ سَأَلْتُ عَبْدَ الله بنَ عَبْدِ الرّحْمنِ أَبَا مُحمّدٍ، عن حَدِيثِ النبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏مَنْ حَدّثَ عَنّي حَدِيثاً وَهُوَ يرَى أَنّهُ كَذِبَ، فَهُوَ أَحَدُ الكَاذِبِينَ‏"‏ قُلْتُ لَهُ‏:‏ مَنْ رَوَى حَدِيثاً وَهُوَ يَعْلَمُ أَنّ إِسْنَادَهُ خَطَأ أيُخَافُ أَنْ يَكُونَ قَدْ دَخَلَ في حَدِيثِ النبيّ صلى الله عليه وسلم، أَوْ إِذَا رَوَى النّاسُ حَدِيثاً مُرْسَلاَ، فَأَسْنَدَهُ بَعْضَهُمْ أَوْ قَلَبَ إِسْنَادَهُ يَكُونُ قَدْ دَخَلَ في هَذَا الْحَدِيثِ‏؟‏ فَقَالَ لاَ إِنّمَا مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ إِذَا رَوَى الرّجُلُ حَدِيثاً وَلاَ يُعْرِفُ لِذَلِكَ الْحَدِيثِ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أَصْلٌ فَحَدّثَ بِهِ فَأَخَافُ أَنْ يَكُونَ قَدْ دَخَلَ في هَذَا الْحَدِيثِ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين‏)‏ قال النووي‏:‏ ضبطناه يرى بضم الياء والكاذبين بكسر الباء وفتح النون على الجمع وهذا هو المشهور في اللفظين‏.‏ قال القاضي عياض‏:‏ الرواية فيه عندنا الكاذبين على الجمع، ورواه ابو نعيم الأصبهاني في كتابه المستخرج على صحيح مسلم في حديث سمرة الكاذبين بفتح الياء وكسر النون على التثنية واحتج به على أن الراوي له يشارك البادي بهذا الكذب، ثم رواه أبو نعيم من رواية المغيرة الكاذبين أو الكاذبين على الشك في التثنية والجمع، وذكر بعض الأئمة جواز فتح الياء من يرى وهو ظاهر حسن، فأما من ضم الياء فمعناه يظن وأما من فتحها فظاهر ومعناه وهو يعلم ويجوز أن يكون بمعنى يظن أيضاً، فقد حكى رأى بمعنى ظن وقيد بذلك لأنه لا يأثم إلا بروايته ما يعلمه أو يظنه كذباً، أما ما لا يعلمه ولا يظنه فلا إثم عليه في روايته وإن ظنه غيره كذاباً أو علمه انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن علي بن أبي طالب وسمرة‏)‏ أما حديث علي بن أبي طالب فأخرجه ابن ماجة وأما حديث سمرة فأخرجه مسلم وغيره‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد ومسلم وابن ماجة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وروى شعبة عن الحكم عن عبد الرحمن ابن أبي ليلى عن سمرة الخ‏)‏ وصله مسلم في صحيحه قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال أخبرنا وكيع عن شعبة الخ ‏(‏وروى الأعمش وابن أبي ليلى عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليى عن علي الخ‏)‏ وصله ابن ماجة فقال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا علي بن هاشم عن ابن أبي ليلى عن الحكم الخ وقال حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا محمد بن فضيل عن الأعمش عن الحكم الخ ‏(‏سألت عبد الله بن عبد الرحمن أبا محمد‏)‏ هو الإمام الدارمي ‏(‏أتخاف أن يكون قد دخل في الحديث النبي الخ‏)‏ يعني حديث‏:‏ من حدث عن حديثاً وهو يرى الخ‏.‏

1652- باب مَا نُهِيَ عَنْهُ أَنّهُ يُقالُ عِنْدَ حَدِيث رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم

2732- حَدّثنا قُتَيْبَةُ، حدثنا سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، عن مُحمّدِ بنِ المُنْكَدِرِ، وَسَالِمٍ أَبي النّضْرِ عن عُبَيْدِ الله بنِ أَبي رَافِعٍ، عن أَبي رَافِعٍ وَغَيْرِهِ رَفَعهُ قالَ‏:‏ ‏"‏لا أُلْفيَنّ احَدَكُم مُتَكِئاً عَلَى ارِيكَتِهِ يَأْتِيِه امْرٌ مِمّا امَرْتُ بِهِ اوْ نَهيْتُ عَنْهُ فَيَقُولُ لاَ ادْرِي‏.‏ مَا وَجَدْنَا في كِتَابِ الله إِتّبَعْنَاهُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وَرَوَى بَعْضُهُمْ عن سُفْيَانَ عن ابنِ المُنْكَدِرِ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم مُرْسَلاً‏.‏ وَسَالِمٍ أَبي النّضْرِ عن عُبَيْدِ الله بنِ أَبي رَافِعٍ عن أَبِيِه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏ وَكَانَ ابنُ عُيَيْنَةَ إِذَا رَوَي هَذَا الحَدِيثَ عَلَى الانْفِرَادِ بَيّنَ حَدِيثَ مُحمدِ بنِ المُنْكَدِرِ مِنْ حَدِيثِ سَالمٍ أَبي النّضْرِ، وَإِذَا جَمَعَهُمَا رَوَى هَكَذَا وَأَبُو رَافِـعٍ مَوْلَى النبيّ صلى الله عليه وسلم اسْمُهُ أَسْلَمُ‏.‏

2733- حدّثنا محمّدُ بنُ بَشّارٍ، حدثنا عَبْدُ الرّحْمَنِ بنُ مَهْدِيّ، حدثنا مُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ، عنْ الْحَسَنِ بنِ جَابِرٍ الّلخْمِيّ، عنْ المِقْدَامِ بنِ مَعْدِ يكَرِبَ قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏أَلا هَلْ عَسَى رَجُلٌ يَبْلُغُهُ الْحَدِيثُ عَنّي وَهُوَ مُتّكِئٌ عَلَى أَرِيكَتِهِ، فَيَقُولُ بَيْيَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَابُ الله، فَمَا وَجَدْنَا فِيِه حَلاَلاً اسْتَحْلَلْنَاهُ، وَمَا وَجَدْنَا فِيِه حَرَاماً حَرّمْنَاهُ، وَإِنّ مَا حَرّمَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم كَمَا حَرّمَ الله‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيِبٌ مِنْ هَذَا الْوَحْهِ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏وسالم أبي النضر‏)‏ عطف علي قوله محمد بن المنكدر ‏(‏عن عبيد الله ابن أبي رافع عن أبي رافع‏)‏ يعني روى بن المنكدر وسالم أبو النضر كلاهما عن عبيد الله بن أبي رافع عن أبي رافع من قوله‏:‏ لأالفين الخ موقوفاً عليه ‏(‏وغيره رفعه‏)‏ يعني روى غير قتيبة هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعاً كما رواه أبو داود في سننه حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل وعبد الله بن محمد النفيلي قالا أخبرنا سفيان عن أبي النضر عن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا ألفين الحديث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا ألفين‏)‏ بالنون المؤكدة من الإلفاء أي لا أجدن وهو كقولك لا أرينك ههنا نهى نفسه أي تراهم على هذه الحالة‏.‏ والمراد نهيهم عن تلك الحالة على سبيل المبالغة ‏(‏متكئاً‏)‏ حال أو مفعول ثان ‏(‏على أريكته‏)‏ أي سريره المزين بالحلل والأثواب في قبة أو بيت كما للعروس يعني الذي لزم البيت وقعد عن طلب العلم قيل المراد بهذه الصفة الترفه والدعة كما هو عادة المتكبر المتجبر القليل الاهتمام بأمر الدين ‏(‏فيقول لا أدري‏)‏ أي لا أعلم غير القرآن ولا أتبع غيره أو لا أدري قول الرسول ‏(‏ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه‏)‏ ما موصولة أو موصوفة يعني الذي وجدناه في القرآن اتبعنا وما وجدناه في غيره لا نتبعه أي وهذا الأمر الذي أمر به عليه الصلاة والسلام أو نهى عنه لم نجده في كتاب الله فلا نتبعه والمعنى لا يجوز الإعراض عن حديثه عليه الصلاة والسلام لأن المعرض عنه معرض عن القرآن قال تعالى‏:‏ ‏{‏وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا‏}‏ وقال تعالى ‏{‏وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى‏}‏ وأخرج الدارمي عن يحيى بن كثير‏.‏ قال‏:‏ كان جبرئيل ينزل بالسنة كما ينزل بالقرآن‏.‏ كذا في الدر ذكره القاري في المرقاة‏.‏ وهذا الحديث دليل من دلائل النبوة وعلامة من علاماتها فقد وقع ما أخبر به فإن رجلا قد خرج في الفنجاب من إقليم الهند وسمى نفسه بأهل القرآن وشتان بينه وبين أهل القرآن بل هو من أهل الإلحاد وكان قبل ذلك من الصالحين فأضله الشيطان وأغواه وأبعده عن الصراط المستقيم فتفوه بما لا يتكلم به أهل الإسلام فأطال لسانه في رد الأحاديث النبوية بأسرها رداً بليغاً، وقال هذه كلها مكذوبة ومفتريات على الله تعالى وإنما يجب العمل على القرآن العظيم فقط دون أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، وإن كانت صحيحة متواثرة ومن عمل على غير القرآن فهو داخل تحت قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون‏}‏ غير ذلك من أقواله الكفرية وتبعه على ذلك كثير من الجهال، وجعلوه إماماً وقد أفتى علماء العصر بكفره وإلحاده وخرجوه عن دائرة الإسلام والأمر كما قالوا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن‏)‏ وأخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجة والبيهقي في دلائل النبوة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وسالم أبي النضر‏)‏ بالجر عطف على قوله ابن المنكدر ‏(‏بين حديث محمد بن المنكدر من حديث سالم أبي النضر‏)‏ أي ميزه عنه فيقول عن ابن المنكدر عن النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ لا ألفين أحدكم الخ‏.‏ ويقول عن سالم أبي النضر عن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ لا ألفين أحدكم الخ وإذا جمعهما روى هكذا أي بعطف سالم أبي النضر على ابن المنكدر كما ذكره الترمذي بقوله وروى بعضهم عن سفيان الخ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن الحسن بن جابر اللخمي‏)‏ الكندي مقبول من الثالثة وذكره ابن حبان في الثقات‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ألا‏)‏ حرف التنبيه ‏(‏هل عسى‏)‏ أي قد قرب ‏(‏يبلغه الحديث عني‏)‏ خبر عسى وفي رواية أبي داود‏:‏ ألا أني أوتيت الكتاب ومثله معه ألا يوشك رجل شبعان على أريكته‏.‏ قال الطيبي‏:‏ في تكرير كلمة التنبيه توبيخ وتقريع نشأ من غضب عظيم على من ترك السنة والعمل بالحديث استغناء بالكتاب فكيف بمن رجح الرأي على الحديث انتهى قال القاري‏:‏ لذا رجح الإمام الأعظم الحديث ولو ضعيفاً على الرأي ولو قوياً انتهى ‏(‏فيقول بيننا وبينكم كتاب الله فما وجدنا فيه حلالا استحللناه وما وجدنا فيه حراماً حرمناه‏.‏ وفي رواية أبي داود‏:‏ عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه وما وجدتم فيه من حرام فحرموه ‏(‏وإن‏)‏ هذا ابتداء الكلام من النبي صلى الله عليه وسلم والواو للحال وفيه التفات ويحتمل أن يكون من كلام الراوي وهو بعيد ‏(‏ما حرم‏)‏ قال الأبهري ما موصولة معنى مفصولة لفظاً أي الذي حرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم في غير القرآن ‏(‏كما حرم الله‏)‏ أي في القرآن وفي الاقتصار على التحريم من غير ذكر التحليل إشارة إلى أن الأصل في الأشياء إباحتها‏.‏ وقال ابن حجر أي ما حرم وأحل رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حرم وأحل الله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب‏)‏ وأخرجه أبو داود وابن ماجة والدارمي‏.‏

1653- باب ما جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ كتَابَةِ الْعِلْم

2734- حَدّثنا سُفْيَانُ بنُ وَكِيعٍ، حدثنا سُفْيَان بنُ عُيَيْنَةَ، عن زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ عن أَبِيِه، عن عَطَاءِ بنِ يَسَارٍ، عن أَبي سَعِيدٍ الخُدرِي قَالَ‏:‏ ‏"‏اسْتَأَذَنّا النبيّ صلى الله عليه وسلم في الكِتَابَةِ فَلَمْ يَأْذَنْ لَنَا‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ أَيْضاً عن زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ‏.‏ رَوَاه هَمّامٌ عنْ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن أبية‏)‏ هو أسلم العدوي مولى عمر مخضرم مات سنة ثمانين وقيل بعد سنة ستين وهو ابن أربع عشرة ومائة سنة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏استأذنا‏)‏ أي طلبنا الإذن منه صلى الله عليه وسلم ‏(‏في الكتابة‏)‏ أي في كتابة أحاديثه ‏(‏فلم يأذن لنا‏)‏ فيه دلالة على منع كتاية الأحاديث النبوية وروى مسلم هذا الحديث بلفظ لا تكتبوا عني شيئاً غير القرآن‏.‏ قال الحافظ في الفتح اختلف السلف في ذلك عملاً وتركاً وإن كان الأمر استقر والإجماع انعقد على جواز كتابة العلم بل على استحبابه بل لا يبعد وجوبه على من خشي النسيان ممن يتعين عليه تبليغ العلم انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقد روى هذا الحديث من غير هذا الوجه أيضاً‏)‏ وأخرجه مسلم وتقدم لفظه آنفاً‏.‏

1654- باب ما جاءَ فِي الرّخْصَةِ فيِه

2735- حَدّثنا قُتَيْبَةُ، حدثنا الّليْثُ، عن الْخَلِيلِ بنِ مُرّةَ، عن يَحْيَى بنِ أَبي صَالِحٍ عن أَبي هُرَيْرَةَ قَالَ‏:‏ ‏"‏كَانَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ يَجْلِسُ إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَيَسْمَعُ مِنَ النبيّ صلى الله عليه وسلم الْحَدِيثَ فَيُعْجِبُهُ وَلاَ يَحْفَظُهُ، فَشَكَى ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ يَا رَسُولَ الله إِنّي لأَسْمَعُ مِنْكَ الْحَدِيثَ فَيُعْجِبُنِي وَلاَ أَحْفَظُهُ‏.‏ فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ اسْتَعِنْ بِيَمِينِكَ وَأَوْمَأَ بِيدِهِ الْخَطّ‏.‏‏"‏‏.‏

وفي البابِ عن عَبْدِ الله بنِ عَمْرٍو‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ لَيْسَ إِسْنَادُهُ بذلك القَائِمِ‏.‏ وَسَمِعْتُ مُحمدَ بنَ إِسْمَاعِيلَ يَقُولُ الْخُلُيْلُ بنُ مُرّةَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ‏.‏

2736- حدّثنا يَحْيَى بنُ مُوسَى وَ مَحمُودُ بنُ غَيْلاَنَ، قَالاَ‏:‏ حدثنَا الوَلِيدُ بنُ مُسْلِمٍ، حدثنا الأُوْزَاعِيّ، عن يَحْيَى بنِ أبي كَثِيرٍ، عن أَبي سَلَمَةَ عن أَبي هُرَيْرَةَ ‏"‏أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم خَطَبَ فَذَكَرَ القِصّةَ فِي الْحَدِيثِ قال أَبُو شَاهٍ‏:‏ اكتبوا لي يا رسول الله فقال له رسول الله‏:‏ اكْتُبُوا لأَبِي شَاهٍ‏.‏ وَفِي الْحَدِيثِ قِصّةٌ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وَقَدْ رَوَى شَيْبَانُ عن يَحْيَى بنِ أَبي كَثِيرٍ مِثْلَ هَذَا‏.‏

2737- حدّثنا قُتَيْبَةُ، حدثنا سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بنِ دِينَارٍ، عن وَهْبِ بنِ مُنَبّهٍ، عَنْ أَخِيِه وَ هُوَ هَمّامُ بنُ مُنَبّهٍ، قَالَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ‏:‏ ‏"‏لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم أَكْثَرَ حَدِيثاً عن رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم مِنّي إِلاّ عَبْدَ الله بنَ عَمْرٍو فَإِنّهُ كَانَ يَكْتُبُ وَكُنْتُ لاَ أَكْتُبُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وَوَهْبُ بنُ مُنَبّهٍ عن أَخِيِه، هُوَ هَمّامُ ابنُ مُنَبّهٍ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن الخليل بن مرة‏)‏ الضيعي البصري نزل الرقة ضعيف من السابعة ‏(‏عن يحيى بن أبي صالح‏)‏ قال في تهذيب التهذيب‏:‏ يحيى بن أبي صالح أبو الخباب ويقال هو السمان عن أبي هريرة وقيل عن أبيه عن أبي هريرة في الرخصة في كتابة الحديث وقوله‏:‏ استعن بيمينك وعنه الخليل بن مرة قال أبو حاتم شيخ مجهول لا أعرفه وذكره ابن حبان في الثقات‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏استعن بيمينك‏)‏ بأن تكتب ما تخشى نسيانه إعانة لحفظك ‏(‏وأومأ‏)‏ أي أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏بيده الخط‏)‏ أي الكتابة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن عبد الله بن عمرو‏)‏ بن العاص قال كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم أريد حفظه فمنعتني قريش وقالوا تكتب كل شيء ورسول الله صلى الله عليه وسلم بشر يتكلم في الغضب‏؟‏ فأمسكت عن الكتاب حتى ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأومأ بإصبعه إلى فيه وقال اكتب فوالذي نفسي بيده ما يخرج منه إلا حقاً‏.‏ أخرجه الدارمي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وسمعت محمد بن إسماعيل يقول الخليل بن مرة منكر الحديث‏)‏ فالحديث ضعيف منكر وأخرجه الحكيم الترمذي عن ابن عباس كما في الجامع الصغير للسيوطي‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أن لرسول الله صلى الله عليه وسلم خطب فذكر قصة في الحديث‏)‏ أخرجه البخاري بقصته في كتاب العلم وفي مواضع من صحيحه ومسلم في كتاب الحج ‏(‏فقال أبو شاه‏)‏ بهاء منونة قاله الحافظ ‏(‏اكتبوا لي يا رسول الله‏)‏ وفي مسلم قال الوليد فقلت للأوزاعي ما قوله اكتبوا لي يا رسول‏؟‏ الله قال هذه الخطبة التي سمعها من النبي صلى الله عليه وسلم وكذا في صحيح البخاري في كتاب اللفظة ‏(‏فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اكتبوا لأبي شاه‏)‏ هذا دليل صريح على جواز كتابة الحديث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي وابن ماجة‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏ليس أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مني إلا عبد الله بن عمرو فإنه كان يكتب وكنت لا أكتب‏)‏ هذا استدلال من أبي هريرة على ما ذكره من أكثر اية ما عند عبد الله ابن عمرو أي ابن العاص على ما عنده‏.‏ ويستفاد من ذلك أن أبا هريرة كان جازماً بأنه ليس في الصحابة أكثر حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم منه إلا عبد الله مع أن الموجود المروي عن عبد الله بن عمرو أقل من الموجود المروي عن أبي هريرة بأضعاف مضاعفة، فإن قلنا الاستثناء منقطع إشكال إذ التقدير لكن الذي كان من عبد الله وهو الكتابة لم يكن مني سواء لزم منه كونه أكثر حديثاً لما تقتضيه العادة أم لا وإن قلنا الاستثناء متصل فالسبب فيه من جهات‏.‏

أحدها‏:‏ أن عبد الله كان مشتغلا بالعبادة أكثر من اشتغاله بالتعليم فقلت الرواية عنه‏.‏

ثانيها‏:‏ أنه كان أكثر مقامه بعد فتوح الأمصار بمصر أو بالطائف ولم تكن الرحلة إليهما ممن يطلب العلم كالرحلة إلى المدينة وكان أبو هريرة متصدياً فيها للفتوى والتحديث إلى أن مات‏.‏ ويظهر هذا من كثرة من حمل عن أبي هريرة فقد ذكر البخاري أنه روى عنه ثمان مائة نفس من التابعين ولم يقع هذا لغيره‏.‏

ثالثها‏:‏ ما اختص به أبو هريرة من دعوة النبي صلى الله عليه وسلم له بأنه لا ينسى ما يحدثه به‏.‏

رابعها‏:‏ أن عبد الله كان قد ظفر في الشام بحمل جمل من كتب أهل الكتاب فكان ينظر فيها ويحدث منها فتجنب الأخذ عنه لذلك كثير من أئمة التابعين‏.‏ قاله الحافظ‏.‏ وقال قوله‏:‏ ولا أكتب قد يعارضه ما أخرجه ابن وهب من طريق الحسن بن عمرو بن أمية قال تحدث عند أبي هريرة بحديث فأخذ بيدي إلى بيته فارانا كتباً من حديث النبي صلى الله عليه وسلم وقال هذا هو مكتوب عندي قال ابن عبد البر حديث همام أصح، ويمكن الجمع بأنه لم يكن يكتب في العهد النبوي ثم كتب بعده‏.‏ قال الحافظ وأقوى من ذلك أنه لا يلزم من وجود الحديث مكتوباً عنده أن يكون مكتوبا بخطه وقد ثبت أنه لم يكن يكتب فتعين أن المكتوب بغير خطه وقال‏:‏ ويستفاد منه يعني من حديث أبي هريرة هذا ومن حديث علي يعني الذي فيه ذكر الصحيفة ومن قصة أبي شاه أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن في كناية الحديث عنه وهو يعارض حديث أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ لا تكتبوا عني شيئاً غير القرآن‏.‏ رواه مسلم‏.‏ والجمع بينهما أن النهي خاص بوقت نزول القرآن خشية التباسه بغيره والإذن في غير ذلك أو أن النهي خاص بكتابة غير القرآن مع القرآن في شيء واحد‏.‏ والإذن في تفريقها أو النهي متقدم، والإذن ناسخ له عند الأمن من الالتباس وهو أقربها مع أنه لا ينافيها‏.‏ وقيل النهي خاص بمن خشي منه الاتكال على الكتابة دون الحفط والإذن لمن أمن منه ذلك‏.‏ ومنهم من أعل حديث أبي سعيد وقال الصواب وقفه على أبي سعيد قاله البخاري وغيره‏.‏ قال العلماء كره جماعة من الصحابة والتابعين كتابة الحديث واستحبوا أن يؤخذ عنهم حفظأ كما أخذوا حفظاً لكن لما قصرت الهممم وخشي الأئمة ضياع العلم دونوه وأول من دون الحديث ابن شهاب الزهري على رأس المائة بأمر عمر بن عبد العزيز ثم كثر التدوين ثم التصنيف وحصل بذلك خير كثير فلله الحمد انتهى كلام الحافظ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه البخاري والنسائي‏.‏

1655- باب ما جَاءَ فِي الْحَدِيثِ عنْ بَنِي إِسْرَائِيل

2738- حَدّثنا مُحَمّدُ بنُ يَحْيَى، حدثنا مُحّمد بنُ يُوسُفَ عن ابن ثوبان هو عَبْدِ الرّحْمَنِ بن ثَابِتِ بنِ ثَوْبَانَ العَابِدِ الشّامِيّ، عن حَسّانَ بنِ عَطِيّةَ، عن أَبي كَبْشَةَ السّلُولِيّ عن عَبْدِ الله بنِ عَمْرٍو‏.‏ قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏بَلّغُوا عَنّي وَلَوْ آيَةً، وَحَدّثُوا عن بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلاَ حَرَج‏.‏ وَمَنْ كَذَبَ عَلَيّ مُتعَمّدّاً فَلْيَتَبَوّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النّارِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

- حدّثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ، أخبرنا أَبُو عَاصِمِ، عن الأَوْزَاعِيّ عن حَسّانَ بنِ عَطِيّةَ، عن أَبي كَبْشَةَ السّلُولِي عن عَبْدِ الله بنِ عَمْرٍو عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ‏.‏

وهذا حديثٌ صحيحٌ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا محمد بن يحيى‏)‏ هو الإمام الذهلي ‏(‏بلغوا عني ولو آية‏)‏ أي ولو كان المبلغ آية قال في اللمعات‏:‏ الظاهر أن المراد آية القرآن أي ولو كانت آية قصيرة من القرآن والقرآن مبلغ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه الجاني به من عند الله ويفهم منه تبليغ الحديث بالطريق الأولى فإن القرآن مع انتشاره وكثرة حملته وتكفل الله سبحانه بحفظه لما أمرنا بتبليغه‏.‏ فالحديث أولى انتهى‏.‏ والاَية ما وزعت السورة عليها‏.‏ وقيل المراد بالاَية هنا الكلام المفيد نحو من صمت نجا‏.‏ والدين النصيحة‏.‏ أي بلغوا عني أحاديثي لو كانت قليلة‏.‏ وقيل المراد من الاَية الحكم الموحي إليه صلى الله عليه وسلم وهو أعم من المتلوة وغيرها بحكم عموم الوحي الجلي والخفي قلت الظاهر هو الأول ‏(‏وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج‏)‏ الحرج الضيق والإثم‏.‏ قال السيد جمال الدين‏:‏ ووجه التوفيق بين النهي عن الاشتغال بما جاء عنهم وبين الترخيص المفهوم من هذا الحدث أن المراد بالتحدث ههنا التحدث بالقصص من الاَيات العجيبة كحكاية عوج بن عنق، وقتل بني إسرائيل أنفسهم في توبتهم من عبادة العجل، وتفصيل القصص المذكورة في القرآن لأن في ذلك عبرة وموعظة لأولي الألباب وأن المراد بالنهي هناك النهي عن نقل أحكام كتبهم لأن جميع الشرائع والأديان منسوخة بشريعة نبينا صلى الله عليه وسلم‏.‏ قال القاري‏:‏ لكن قال ابن قتيبة‏:‏ وما روى عن عوج أنه رفع جبلا قدر عسكر موسى عليه السلام وهم كانوا ثلاثمائة ألف ليضعه عليهم فنقره هدهد بمنقاره وثقبه ووقع في عنقه فكذب لا أصل له‏.‏ كذا نقله الأبهري انتهى‏.‏ قلت قال ابن قتيبة الدينوري في كتابه تأويل مختلف الحديث‏:‏ قالوا رويتم أن عوجاً اقتلع جبلا قدره فرسخ في فرسخ على قدر عسكر موسى فحمله على رأسه ليطبقه عليهم فصار طوقاً في عنقه حتى مات وأنه كان بخوض البحر فلا يجاوز كبتيه وكان يصيد الحيتان من لججه ويشويها في عين الشمس وأنه لما مات وقع على نيل مصر فجسر للناس سنة أي صار جسراً لهم يعبرون عليه من جانب إلى جانب وأن طول موسى عليه السلام كان عشرة أذرع وطول عصاه عشرة ووثب عشراً ليضربه فلم يبلغ عرقوبه قالوا وهذا كذب بين لا يخفى على عاقل ولا على جاهل وكيف صار في زمن موسى عليه السلام من خالف أهل الزمان هذه المخالفة‏؟‏ وكيف يجوز أن يكون من ولد آدم من يكون بينه وبين آدم هذا التفاوت‏؟‏ وكيف يطيق آدمي حمل جبل على رأسه قدره فرسخ في فرسخ‏؟‏ قال ابن قتيبة ونحن نقول أن هذا حديث لم يأت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن صحابته وإنما هو خبر من الأخبار القديمة التي يرويها أهل الكتاب‏.‏ سمعه قوم منهم على قديم الأيام فتحدثوا به انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد والبخاري‏.‏

1656- باب ما جَاء الدّال عَلَى الْخَيْرِ كَفَاعِلِه

2739- حَدّثنا نَصْرُ بنُ عَبْدِ الرَحْمَنِ الكُوفِيّ، أخبرنا أَحْمَدُ بنُ بَشِيرٍ عن شَبِيبِ بنِ بِشْرٍ عَنْ أَنَسٍ بنِ مَالِكٍ قَالَ أَتِيَ النبيّ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ يَسْتَحْمِلُهُ، فَلَمْ يَجِدْ عِنْدَهُ مَا يَتَحْمِلُهُ فَدَلّهُ عَلَى آخَرَ فَحَمَلَهُ فَأَتَى النبيّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ‏:‏ إِنّ الدّالّ عَلَى الْخَيرِ كَفَاعِلِهِ‏"‏‏.‏

وفي البابِ عن أَبي مَسْعُودٍ البدري وَبُرَيْدَةَ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ غريبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏

2740- حدّثنا مَحْمُودُ بنُ غَيْلاَنَ حدثنَا أَبُو دَاوُدَ، أَنْبَأنَا شُعْبَةُ عن الاعمَشِ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا عَمْرِوٍ الشّيْبَانِيّ، يُحَدّثُ عن أَبي مَسْعُودٍ البَدْرِيّ أَنّ رَجُلاً أَتَى النبيّ صلى الله عليه وسلم يَسْتَحْمِلُهُ، فَقَالَ إِنّهُ قَدْ أُبْدِعَ بي‏.‏ فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ إِيتِ فُلاَناً، فَأَتَاهُ فَحَمَلَهُ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏مَنْ دَلّ عَلَى خَيْرِ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ، أَوْ قَالَ عَامِلِهِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وَأَبُو عَمْرِو الشَيْبَانِيّ اسْمُهُ سعد بنُ إِيَاسٍ، وَأَبُو مَسْعُودٍ البَدْرِيّ اسْمُهُ عُقْبَةُ بنُ عَمْرٍو‏.‏

2741- حدّثنا الْحَسَنُ بنُ عَلِيّ الْخَلاّلُ، أَخْبرَنَا عَبْدُ الله بنُ نُمَيْرٍ عن الأَعْمَشِ، عن أَبي عَمْرِو الشّيْبَانِيّ، عن أَبي مَسْعُودٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ وَقَالَ ‏"‏مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ‏"‏ وَلَمْ يَشُكّ فِيِه‏.‏

2742- حدّثنا مَحمُودُ بنُ غَيْلاَنَ، وَالْحَسَنُ بنُ عَلِيّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ، قَالُوا‏:‏ حدثنَا أَبُو أُسَامَةَ عن بُرَيْدِ بنِ عَبْدِ الله بنِ أَبي بُرْدَةَ، عن جَدّهِ أَبي بُرْدَةَ عن أَبي مُوسَى الأَشْعَرِيّ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ ‏"‏اشْفَعُوا وَلِتُؤجَرُوا وَلِيَقْضِيَ الله عَلَى لِسَانِ نَبِيّهِ مَا شَاءَ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ وَبُرَيْدُ بنُ عَبْدِ الله بنِ أَبي بُرْدَةَ بنِ أَبي مُوسَى قَدْ رَوَى عَنْهُ الثّوْرِيّ وَسُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ‏.‏ وَبُرَيْدٌ يُكْنَى أَبَا بُرْدَةَ أَيضاً وهو كوفي ثِقة في الحديث روى عنه شعبة والثوري وابن عيينة هُوَ ابنُ أَبي مُوسَى الأَشْعَرِيّ‏.‏

2743- حدّثنا مَحْمُودُ بنُ غَيْلاَنَ، حدثنَا وَكِيعٌ وَعَبْدُ الرّزّاقِ، عن سُفْيَانَ عن الاعْمَشِ، عن عَبْدِ الله بنِ مُرّةَ، عن مَسْرُوقٍ، عن عَبْدِ الله بنِ مَسْعُودٍ قالَ‏:‏ قالَ‏:‏ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ما مِنْ نَفْسٍ تُقْتَلُ ظُلْماً إِلاّ كَانَ عَلَى ابنِ آدَمَ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا وَذَلِكَ لأِنّهُ أَوّلُ مَنْ أَسَنّ القَتْلَ‏.‏ وَقالَ عَبْدُ الرّزّاقِ- سَنّ القَتْلَ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذ ا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

- حدّثنا ابن ابي عمر‏:‏ حدثنا سفيان بن عيينة عن الاعمش بهذا الإِسناد نحوه بمعناه قالَ‏:‏ سَنّ القتل‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا أحمد بن بشير‏)‏ بالفتح المخزومي مولى عمرو بن حريث أبو بكر الكوفي صدوق له أوهام من التاسعة ‏(‏عن شبيب بن بشر‏)‏ قال في التقريب شبيب بوزن طويل ابن بشر أو ابن بشير البجلي الكوفي صدوق يخطئ من الخامسة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يستحمله‏)‏ أي يطلب منه المركب ‏(‏فحمله‏)‏ أي أعطاه المركب ‏(‏فقال‏)‏ أي رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏إن الدال على الخير كفاعله‏)‏ لإعانته عليه فإن حصل ذلك الخير فله مثل ثوابه وإلا فله ثواب دلالته قاله المناوي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أبي مسعود وبريدة‏)‏ أما حديث أبي مسعود فأخرجه الترمذي بعد هذا‏.‏ وأما حديث بريدة فأخرجه أحمد وأبو يعلى والضياء عنه مرفوعاً‏:‏ الدال على الخير كفاعله والله يحب إغاثة اللهفان‏.‏ كذا في الجامع الصغير‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب‏)‏ وأخرجه ابن أبي الدنيا في قضاء الحوائج كذا في الجامع الصغير وقال المناوي في شرحه بإسناد حسن‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي مسعود البدري‏)‏ اسمه عقبة بن عمرو بن ثعلبة الأنصاري صحابي جليل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال إنه قد أبدع بي‏)‏ على بناء المفعول يقال أبدعت الراحلة إذا انقطعت عن السير لكلال جعل انقطاعها عما كانت مستمرة عليه إبداعاً عنها أي إنشاء أمر خارج مما اعتيد منها ومعنى أبدع بالرجل انقطع به راحلته كذا حققه الطيبي أي انقطع راحلتي بي ولما حول للمفعول صار الظرف نائبه كسير بعمرو ‏(‏من دل‏)‏ أي بالقول أو الفعل أو الإشارة أو الكتابة ‏(‏على خير‏)‏ أي علم أو عمل مما فيه أجر وثواب ‏(‏فله‏)‏ أي فللدال ‏(‏مثل أجر فاعله‏)‏ أي من غير أن ينقص من أجره شيء ‏(‏أو قال عامله‏)‏ شك من الراوي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه مسلم‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏اشفعوا‏)‏ وفي رواية لمسلم كان إذا أتاه طالب حاجة أقبل على جلسائه فقال اشفعوا الخ وفي رواية للبخاري‏:‏ إذا جاء رجل يسأل أو طالب حاجة أقبل علينا بوجهه فقال أشفعوا الخ ‏(‏ولتؤجروا‏)‏ عطف على اشفعوا واللام لام الأمر ‏(‏وليقضي الله الخ‏)‏ بلام التأكيد أي يحكم وفيه إشارة إلى أن ما يجري على لسانه صلى الله عليه وسلم فهو من الله سواء كان قبول الشفاعة أو عدمه وفي الحديث الحض على الخير بالفعل وبالتسبب إليه بكل وجه والشفاعة إلى الكبير في كشف كربة ومعونة ضعيف إذ ليس كل أحد يقدر على الوصول إلى الرئيس ولا التمكن منه ليلج عليه أو يوضح له مراده ليعرف حاله على وجهه وإلا فقد كان صلى الله عليه وسلم لا يحتجب‏.‏ قال عياض‏:‏ ولا يستثنى من الوجوه التي تستحب الشفاعة فيها إلا الحدود وإلا فما لأحد فيه تجوز الشفاعة فيه ولا سيما ممن وقعت منه الهفوة أو كان من أهل الستر والعفاف، قال وأما المصرون على فسادهم المشتهرون في باطنهم فلا يشفع فيهم ليزجروا عن ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان ‏(‏ويريد‏)‏ بضم الموحدة وفتح الراء مصغرا ‏(‏بن عبد الله بن أبي بردة بن أبي موسى قد روى عنه الثوري سفيان بن عيينة‏)‏ وروى هو عن جده والحسن البصري وعطاء وأبي أيوب صاحب أنس ‏(‏وبريد يكنى أبا بردة هو ابن أبي موسى الأشعري‏)‏ مقصود الترمذي من هذا الكلام أن بريد بن عبد الله هذا يكنى بأبي بردة بكنية جده وهو أبو بردة بن أبي موسى الأشعري‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن عبد الله بن مرة‏)‏ هو الهمداني‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ما من نفس تقتل‏)‏ بصيغة المجهول ‏(‏إلا كان على ابن آدم‏)‏ زاد في رواية الشيخين الأول وهو صفة لابن آدم وهو قابيل قتل أخاه هابيل ‏(‏إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الاَخر‏)‏ ‏(‏كفل‏)‏ بكسر الكاف وسكون الفاء أي نصيب ‏(‏من دمها‏)‏ أي دم النفس ‏(‏وقال عبد الرزاق سن القتل‏)‏ يعني من المجرد وأما وكيع فقال أسن بالهمزة من باب الإفعال ومعنى سن وأسن واحد أي أول من سلك هذه الطريقة السيئة وأتي بها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان والنسائي وابن ماجة‏.‏

1657- باب فيمَنْ دَعَا إِلَى هُدَى فأُتْبِعَ أَوْ إِلَى ضَلاَلة

2744- حَدّثنا عَلِيّ بنُ حُجْرٍ، أخبرنا إِسْمَاعِيلُ بنُ جَعْفَرٍ، عن العَلاَءِ بنِ عَبْدِ الرَحْمَنِ، عن أَبِيِه عن أَبي هُرَيْرَةَ قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنْ الأَجْرِ مِثْلُ أَجُورِ مَنْ يَتّبِعُهُ، لاَ يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئاً، وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلاَلَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ يَتَبِعُهُ لاَ يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئاً‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

2745- حدّثنا أَحمَدُ بنُ مَنِيعٍ، حدثنا يَزِيدُ بنُ هارُونَ، أخبرنا المَسْعُودِيّ، عن عَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ، عن ابنِ جَرِيرِ بنِ عَبْدِ الله عن أَبِيِه قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏مَنْ سَنّ سُنّةَ خَيْرٍ فَأُتْبِعَ عَلَيْهَا فَلَهُ أَجْرُهُ وَمِثْلُ أُجُورِ مَنْ اتّبَعَهُ غَيْرَ مَنْقُوصٍ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئاً، وَمَنْ سَنّ سُنّةَ شَرٍ فَأُتْبِعَ عَلَيْهَا، كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهُ وَمِثْلُ أَوْزَارِ مَنْ اتبَعَهُ غَيْرَ مَنْقُوصٍ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْئاً‏"‏‏.‏ وفي البابِ عن حُذَيْفَةَ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عن جَرِيرِ بنِ عَبْدِ الله، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوُ هَذَا‏.‏ وَقَدْ رُوِيَ هذا الْحَدِيثُ عن المُنْذِرِ بنِ جَرِيرِ بنِ عَبيد الله عن أَبِيِه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏ وَقَدْ رُوِيَ عن عَبْدِ الله بنِ جَرِيرِ عن أَبِيِه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أَيضاً‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏من دعا إلى هدى‏)‏ قال الطيبي‏:‏ الهدى إما الدلالة الموصلة أو مطلق الدلالة والمراد هنا ما يهدي به من الأعمال الصالحة وهو بحسب التنكير شائع في جنس ما يقال هدى فأعظمه هدى من دعا إلى الله وعمل صالحاً وأدناه هدى من دعا إلى إماطة الأذى عن طريق المسلمين ‏(‏كان له‏)‏ أي للداعي ‏(‏مثل أجور من يتبعه‏)‏ فيعمل بدلالته أو يمتثل أمره ‏(‏لا ينقص‏)‏ بضم القاف ‏(‏ذلك‏)‏ إشارة إلى مصدر وكان كذا قيل والأظهر أنه راجع إلى الأجر ‏(‏من أجورهم شيئاً‏)‏ قال ابن الملك هو مفعول به أو تمييز بناء على أن النقص يأتي لازماً ومتعدياً انتهى‏.‏ قال القاري‏:‏ والظاهر إن يقال إن شيئاً مفعول به أي شيئاً من أجورهم أو مفعول مطلق أي شيئاً من النقص‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه مسلم‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن ابن جرير بن عبد الله‏)‏ اسمه المنذر بن جرير بن عبد الله البجلي الكوفي مقبول من الثالثة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من سن سنة خير‏)‏ وفي رواية مسلم‏:‏ من سن في الإسلام سنة حسنة أي أتى بطريقة مرضية يشهد لها أصل من أصول الدين ‏(‏فاتبع‏)‏ بصيغة المجهول والضمير إلى من ‏(‏عليها‏)‏ أو على تلك السنة ‏(‏فله أجره‏)‏ الضميران يرجعان إلى من سن أي له أجر عمله بتلك السنة ‏(‏غير منقوص من أجورهم شيئاً‏)‏ بالنصب على أنه مفعول مطلق أي لا ينقص من أجورهم شيئاً من النقص ‏(‏ومن سن سنة شر‏)‏ وفي بعض النسخ سنة سيئة‏.‏ وفي رواية مسلم‏:‏ ومن سن في الإسلام سنة سيئة أي طريقة غير مرضية لا يشهد لها أصل من أصول الدين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن حذيفة‏)‏ أخرجه أحمد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه مسلم مطولا وابن ماجة من طريق المنذر بن جرير عن أبيه‏.‏

1658- باب ما جاء في الأَخْذِ بالسّنّةِ وَاجْتِنابِ البِدْع

2746- حَدّثنا عَلِيّ بنُ حُجْرٍ، أخبرنا بَقِيّةُ بنُ الوَلِيدِ، عن بَجِيِر بنِ سَعِيدٍ عن خَالِدِ بنِ مَعْدَانَ، عن عَبْدِ الرَحْمَنِ بنِ عَمْرِو السّلَمِيّ، عن العِرْبَاضِ بنِ سَارِيَةَ قالَ‏:‏ ‏"‏وَعَظَنَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَوْماً بَعْدَ صَلاَةِ الغَدَاةِ مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ فَقَالَ رُجُلٌ إِنّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدّعٍ فَبِمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا يَا رسُولَ الله‏؟‏ قالَ‏:‏ أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى الله، وَالسّمْعِ وَالطّاعَةِ وَإِنْ عَبْدٌ حَبَشِيٌ فَإِنّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ يَرَ اخْتِلاَفَاً كَثِيراً، وَأَيّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ، فَإِنّهَا ضَلاَلَةٌ فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَعَلَيْكم بِسُنّتِي وَسُنّةِ الْخُلَفَاءِ الرّاشِدِينَ المُهْدِيّينَ عَضّوا عَلَيْهَا بالنّوَاجِذِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وقد رَوَى ثَوْرُ بنُ يَزِيدَ عن خَالِدِ بنِ مَعْدَانَ، عن عَبْدِ الرْحمَنِ بنِ عَمْرٍو السّلَمِيّ، عن الْعِرْبَاضِ بنِ سَاريَةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَ هَذَا‏.‏

‏.‏‏.‏‏.‏- حدّثنا بِذَلِكَ الْحَسَنُ بنُ عَلِيّ الْخَلاّلُ وَغَيْرُ وَاحِدٍ قَالُوا، أخبرنا أَبُو عَاصِمٍ، عن ثَوْرِ بنِ يَزِيدَ، عن خَالِدِ بنِ مَعْدَانَ عن عَبْدِ الرحمنِ بنِ عَمْرٍو السّلَمِيّ، عن الْعِرْبَاضِ بنِ سَارِيَةَ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ‏.‏

وَالعِرْبَاضُ بنُ سَارِيَةَ يَكْنَى أَبَا نَجِيحٍ‏.‏ وقد رُوِى هذا الْحَدِيثُ عن حُجْرِ بنِ حُجْرٍ عن عِرْبَاضِ بنِ سَارِيَةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ‏.‏

2747- حدّثنا عَبْدُ الله بنُ عَبْدِ الرحْمَنِ، أخبرنا مُحمّدُ بنُ عُيَيْنَةَ عن مَرْوَانَ بنِ مُعَاوِيَةَ الفزاريّ، عن كَثِيرِ بنِ عَبْدِ الله هو ابن عمرو بن عوف المزنيّ، عن أَبِيِه عن جَدّهِ أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ لِبلاَلِ بنِ الحَارِثِ ‏"‏اعْلَمْ‏.‏ قالَ‏:‏ مَا أَعْلَمُ يَا رَسُولَ الله‏؟‏ قالَ إِنّهُ مَنْ أَحْيَا سُنّةً مِنْ سُنّتِي قَدْ أُمِيتَتْ بَعْدِي فإن لَهُ مِنَ الأَجْرِ مِثْلُ منْ عَمِلَ بِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُنْقِصَ مِنْ أَجُورِهِمْ شَيْئاً، وَمَنْ ابْتَدَعَ بِدْعَةَ ضَلاَلَةٍ لاَ ترضى الله وَرَسُولُهُ كَانَ عَلَيْهِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ عَمِلَ بِهَا لاَ ينْقِصُ ذَلِكَ مِنْ أَوْزَار النّاسِ شَيْئاً‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ وَمُحمّدُ بنُ عُيَيْنَةَ، هُوَ مِصّيصيٌ شَامِيٌ، وَكَثِيرُ بنُ عَبْدِ الله هُوَ ابنُ عَمْرِو بنُ عَوْفٍ المُزَنِيّ‏.‏

2748- حدّثنا مُسْلِمُ بنُ حَاتِمٍ الأَنْصَارِيّ الْبَصْرِيّ، حدثنَا مُحمّدُ ابنُ عَبْدِ الله الأَنْصَارِيّ، عن أَبِيِه، عن عَلِيّ بنِ زَيْدٍ، عن سَعِيدِ بنِ المَسْيّبِ قالَ‏:‏ قالَ أَنَسُ بنُ مَالِكٍ‏:‏ ‏"‏قالَ لِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ يَا بُنَيّ إِنْ قَدِرْتَ أَنْ تُصْبِحَ وَتُمْسِيَ لَيْسَ في قَلْبِكَ غِشٌ لأِحَدٍ فَافْعَلْ، ثمّ قالَ لِي‏:‏ يَا بُنَيّ وَذَلِكَ مِنْ سُنّتِي، وَمَنْ أَحْيَا سُنّتِي فَقَدْ أَحْبّنِي وَمَنْ أَحْبّنِي كَانَ مَعِي في الْجَنّةِ‏"‏‏.‏ وَفي الحديثِ قِصّةٌ طَوِيلَةٌ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غَريبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَمُحّمدُ بنُ عَبْدِ الله الأَنْصَارِيّ ثِقَةٌ وَأَبُوهُ ثِقَةٌ‏.‏ وَعَلِيّ بنُ زَيْدٍ صَدُوقٌ إِلاّ أَنّهُ رُبّمَا يَرْفَعُ الشّيْءَ الّذِي يُوقِفُهُ غَيْرُهُ وَسَمِعْتُ مُحمّدَ بنَ بَشّارٍ‏:‏ يَقُولُ قالَ أَبُو الْوَلِيدِ قالَ شُعْبَةُ، أخبرنا عَلِيّ بنُ زَيْدٍ، وكَانَ رَفّاعاً وَلاَ نَعْرِفُ لِسَعِيدِ بنُ المُسَيّبِ عن أَنَسٍ رِوَايَةً إِلاّ هذا الْحَدِيثَ بِطُولِهِ‏.‏ وقد رَوَى عَبّادُ بن ميسرة المِنْقَرِيّ هذا الْحَديِثَ عن عَلِيّ بنِ زَيْدٍ، عن أَنَسٍ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ عن سَعِيدِ بنِ المُسَيّبِ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ وَذَاكَرْتُ بِهِ مُحمّدَ بنَ إِسْمَاعِيلَ، فلم يَعْرِفْهُ وَلَمْ يَعْرِفْ لِسَعِيدِ بنِ المُسَيّبِ عن أَنَسٍ هذا الْحَدِيثَ وَلاَ غَيْرَهُ، وَمَاتَ أَنَسُ بنُ مَالِكٍ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَتِسْعِينَ، وَمَاتَ سَعِيدُ بنُ المُسَيّبِ بَعْدَهُ بَسَنَتَيْنِ مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَتِسْعِينَ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عبد الرحمن بن عمرو‏)‏ بن عبسة ‏(‏السلمي‏)‏ الشامي مقبول من الثالثة ‏(‏عن العرباض‏)‏ بكسر العين المهملة وسكون الراء بعدها موحدة وآخره معجمة ‏(‏بن سارية‏)‏ السلمى كنيته أبو نجيح صحابي كان من أهل الصفة ونزل حمص‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ذرفت‏)‏ أي دمعت ‏(‏ووجلت‏)‏ بكسر الجيم أي خافت ‏(‏إن هذه موعظة مودع‏)‏ بالإضافة فإن المودع بكسر الدال عند الوداع لا يترك شيئاً مما يهم المودع بفتح الدال أي كأنك تودعنا بها لما رأى من مبالغته صلى الله عليه وسلم في الموعظة ‏(‏فماذا تعهد إلينا‏)‏ أي فبأي شيء توصينا ‏(‏وإن عبد حبشي‏)‏ أي وإن تأمر عليكم عبد حبشي كما في رواية الأربعين للنووي أي صار أميراً أدنى الخلق فلا تستنكفوا عن طاعته أو لو استولى عليكم عبد حبشي فأطيعوه مخافة إثارة الفتن، ووقع في بعض نسخ أبي داود وإن عبداً حبشياً بالنصب أي وإن كان المطاع عبداً حبشياً‏.‏ قال الخطابي يريد به طاعة من ولاه الإمام عليكم وإن كان عبداً حبشاً ولم يرد بذلك أن يكون الإمام عبداً حبشياً، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال الأئمة من قريش وقد يضرب المثل في الشيء بما لا يكاد يصح في الوجود كقوله صلى الله عليه وسلم من بنى لله مسجداً ولو مثل مفحص قطاة بنى الله له بيتاً في الجنة، وقدر مفحص القطاة لا يكون مسجداً لشخص آدمي ونظائر هذا الكلام كثيرة ‏(‏وإياكم ومحدثات الأمور الخ‏)‏ وفي رواية أبي داود‏:‏ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعه ضلالة‏.‏ قال الحافظ بن رجب في كتاب جامع العلوم‏:‏ والحكم فيه تحذير للأمة من اتباع الأمور المحدثة المبتدعة وأكد ذلك بقوله‏:‏ كل بدعة ضلالة، والمراد بالبدعة ما أحدث مما لا أصل له في الشريعة يدل عليه، وأما ما كان له أصل من الشرع يدل عليه فليس ببدعة شرعاً وإن كان بدعة لغة فقوله صلى الله عليه وسلم كل بدعة ضلالة من جوامع الكلم لا يخرج عنه شيء وهو أصل عظيم من أصول الدين، وأما ما وقع في كلام السلف من استحسان بعض البدع فإنما ذلك في البدع اللغوية لا الشرعية، فمن ذلك قول عمر رضي الله عنه في التراويح نعمت البدعة هذه، وروى عنه أنه قال إن كانت هذه بدعة فنعمت البدعة، ومن ذلك آذان الجمعة الأول زاده عثمان لحاجة الناس إليه وأقره علي واستمر عمل المسلمين عليه، وروي عن ابن عمر أنه قال هو بدعة ولعله أراد ما أراد أبوه في التراويح انتهى ملخصاً ‏(‏فمن أدرك ذلك‏)‏ أي زمن الاختلاف الكثير ‏(‏فعليه بسنتي‏)‏ أي فليلزم سنتي ‏(‏وسنة الخلفاء الراشدين المهديين‏)‏ فإنهم لم يعملوا إلا بسنتي فالإضافة إليهم إما لعملهم بها أو لاستنباطهم وإختيارهم إياها قاله القاري‏.‏ وقال الشوكاني في الفتح الرباني‏:‏ إن أهل العلم قد أطالوا الكلام في هذا وأخذوا في تأويله بوجوه أكثرها متعسفة، والذي ينبغي التعويل عليه والمصير إليه هو العمل بما يدل عليه هذا التركيب بحسب ما تقتضيه لغة العرب، فالسنة هي الطريقة فكأنه قال الزموا طريقتي وطريقة الخلفاء الراشدين، وقد كانت طريقتهم هي نفس طريقته، فإنهم أشد الناس حرصا عليها وعملا بها في كل شيء‏.‏ وعلى كل حال كانوا يتوقون مخالفته في أصغر الأمور فضلاً عن أكبرها‏.‏ وكانوا إذا أعوزهم الدليل من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم عملوا بما يظهر لهم من الرأي بعد الفحص والبحث والتشاور والتدبر، وهذا الرأي عند عدم الدليل هو أيضاً من سنته لما دل عليه حديث معاذ لما قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ بما تقضي‏؟‏ قال‏:‏ بكتاب الله‏.‏ قال‏:‏ فإن لم تجد قال‏:‏ فبسنة رسول الله قال‏:‏ فإن لم تجد قال‏:‏ أجتهد رأي‏.‏ قال‏:‏ الحمدلله الذي وفق رسول رسوله أو كما قال‏.‏ وهذا الحديث وإن تكلم فيه بعض أهل العلم بما هو معروف فالحق أنه من قسم الحسن لغيره وهو معمول به وقد أوضحت هذا في بحث مستقل‏.‏ فإن قلت‏:‏ إذا كان ما عملوا فيه بالرأي هو من سنته لم يبق لقوله وسنة الخلفاء الراشدين ثمرة، قلت‏:‏ ثمرته أن من الناس من لم يدرك زمنه صلى الله عليه وسلم وأدرك زمن الخلفاء الراشدين أو أدرك زمنه وزمن الخلفاء ولكنه حدث أمر لم يحدث في زمنه ففعله الخلفاء فأشار بهذا الارشاد إلى سنة الخلفاء إلى دفع ما عساه يتردد في بعض النفوس من الشك ويختلج فيها من الظنون‏.‏ فأقل فوائد الحديث أن ما يصدر عنهم من الرأي وإن كان من سننه كما تقدم ولكنه أولى من رأي غيرهم عند عدم الدليل‏.‏ وبالجملة فكثيراً ما كان صلى الله عليه وسلم ينسب الفعل أو الترك إليه أو إلى أصحابه في حياته مع أنه لا فائدة لنسبته إلى غيره مع نسبته إليه لأنه محل القدرة ومكان الأسوة فهذا ما ظهر لي في تفسير هذا الحديث ولم أقف عند تحريره على ما يوافقه من كلام أهل العلم فإن كان صواباً فمن الله وإن كان خطأ فمنى ومن الشيطان وأستغفر الله العظيم‏.‏ انتهى كلام الشوكاني‏.‏

وقد ذكرنا كلام صاحب سبل السلام في بيان معنى هذا الحديث في باب آذان الجمعة‏.‏ وقال القاري في المرقاة قيل هم الخلفاء الأربعة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله تعالى عنهم لأنه عليه الصلاة والسلام‏:‏ قال الخلافة بعدي ثلاثون سنة وقد انتهى بخلافة علي كرم الله وجهه‏.‏ قال بعض المحققين وصف الراشدين بالمهديين لأنه إذا لم يكن مهتدياً في نفسه لم يصلح أن يكون هادياً لغيره لأنه يوقع الخلق في الضلالة من حيث لا يشعر‏:‏ وهم الصديق والفاروق وذو النورين وأبو تراب على المرتضى رضي الله عنهم أجمعين لأنهم لما كانوا أفضل الصحابة وواظبوا على استمطار الرحمة من الصحابة النبوية وخصهم الله بالمراتب العلية والمناقب السنية ووطنوا أنفسهم عل مشاق الأسفار ومجاهدة القتال مع الكفار‏.‏ أنعم الله عليهم بمنصب الخلافة العظمى والتصدي إلى الرياسة الكبرى لإشاعة أحكام الدين وإعلاء أعلام الشرع المتين رفعاً لدرجاتهم وإزدياداً لمثوباتهم انتهى ‏(‏عضواً‏)‏ بفتح العين ‏(‏عليها‏)‏ أي على السنة ‏(‏بالنواجذ‏)‏ جمع ناجذة بالذال المعجمة وهي الضرس الأخير، وقيل هو مرادف السن وقيل هو الناب‏.‏ قال الماوردي‏:‏ إذ تكاملت الأسنان فهي ثنتان وثلاثون منها أربعة ثنايا وهي أوائل ما يبدو للناظر من مقدم الفم ثم أربع رباعيات ثم أربع أنياب ثم أربع ضواحك ثم اثنا عشر أضراس وهي الطواحن ثم أربع نواجذ وهي أواخر الأسنان كذا نقله الأبهري، والصحيح أن الأضراس عشرون شاملة للضواحك والطواحن والنواجذ والله أعلم‏.‏ والعض كناية عن شدة ملازمة السنة والتمسك بها فإن من أراد أن يأخذ شيئاً أخذاً شديداً يأخذ بأسنانه أو المحافظة على الوصية بالصبر على مقاساة الشدائد كمن أصابه ألم لا يريد أن يظهره فيشتد بأسنانه بعضها على بعض‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه وسكت عنه أبو داود ونقل المنذري تصحيح الترمذي وأقره وقال والخلفاء أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر فخص اثنين وقال فإن لم تجدينى فأتى أبا بكر فخصه، فإذا قال أحدهم وخالفه فيه غيره من الصحابة كان المصير إلى قوله أولى‏.‏ والمحدث على قسمين‏:‏ محدث ليس له أصل إلا الشهرة والعمل بالإرادة فهذا باطل وما كان على قواعد الأصول أو مردوداً إليها فليس ببدعة ولا ضلالة انتهى كلام المنذري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا بذلك الحسن بن علي الخلال وغير واحد قالوا أخبرنا أبو عاصم عن ثور ابن يزيد الخ‏)‏ ورواه ابن ماجه عن يحيى بن حكيم حدثنا عبد الملك بن الصباح المسمعي حدثنا ثور بن يزيد الخ ‏(‏وقد روى هذا الحديث عن حجر بن حجر الخ‏)‏ وصله أبو داود في سننه وحجر بن حجر هذا بضم الحاء المهملة وسكون الجيم الكلاعي بفتح الكاف وتخفيف اللام الحمصي مقبول من الثالثة‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن‏)‏ هو الدارمي ‏(‏أخبرنا محمد بن عيينة‏)‏ الفزاري المصيصي مقبول من العاشرة ‏(‏عن مروان بن معاوية‏)‏ بن الحارث بن أسماء الفزري أبي عبد الله الكوفي نزيل مكة ثم دمشق ثقة حافظ وكان يدلس أسماء الشيوخ من الثامنة ‏(‏عن جده‏)‏ هو عمرو بن عوف المزني ‏(‏قال لبلال بن الحارث‏)‏ المزني مدني صحابي كنيته أبو عبد الرحمن مات سنة ستين وله ثمانون سنة ‏(‏إعلم‏)‏ أي تنبه وتهيأ لحفظ ما أقول لك ‏(‏قال أعلم‏)‏ أي أنا متهيئ لسماع ما تقول وحفظه رضي الله عنه وفي بعض النسخ ما أعلم بزيادة ما الاستفهامية أي أي شيء أعلم ‏(‏من أحيا سنة‏)‏ أي أظهرها وأشاعها بالقول أو العمل ‏(‏من سنني‏)‏ قال الأشرف ظاهر النظم يقتضي أن يقال من سنني لكن الرواية بصيغة الإفراد انتهى فيكون المراد بها الجنس ‏(‏قد أميتت بعدي‏)‏ قال ابن الملك أي تركت تلك السنة عن العمل بها يعني من أحياها من بعدي بالعمل بها أو حث الغير على العلم بها ‏(‏من غير أن ينقص‏)‏ متعد ويحتمل اللزوم ‏(‏من أجورهم‏)‏ من التبعيض أي من أجور من عمل بها فأفرد رعاية للفظه وجمع ثانياً لمعناه ‏(‏شيئاً‏)‏ مفعول به أو مفعول مطلق لأنه حصل له باعتبار الدلالة والإحياء والحق وللعاملين باعتبار الفعل فلم يتواردا على محل واحد حتى يتوهم أن حصول أحدهما ينقص الاَخر ‏(‏ومن ابتدع بدعة ضلالة‏)‏ قال صاحب الدين الخالص قال في المرقاة قيد به لإخراج البدعة الحسنة وزاد في أشعة اللمعات لأن فيها مصلحة الدين وتقويته وترويجه انتهى‏.‏ وأقول هذا غلط فاحش من هذين القائلين لأن الله ورسوله لا يرضيان بدعة أي بدعة كانت ولو أراد النبي صلى الله عليه وسلم إخراج الحسنة منها لما قال فيما تقدم من الأحاديث كل بدعة ضلالة وكل محدثة بدعة وكل ضلالة في النار كما ورد بهذا اللفظ في حديث آخر بل هذا اللفظ ليس بقيد في الأصل هو إخبار عن الإنكار على البدع وأنها مما لا يرضاه الله ولا رسوله ويؤيده قوله تعالى‏:‏ ‏{‏رهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم‏}‏ وأما ظن مصلحة الدين وتقويته فيها فمن وادي قوله سبحانه‏:‏ ‏{‏إن بعض الظن إثم‏}‏ ولا أدري ما معنى قوله سبحانه ‏{‏ ‏(‏إن بعض الظن إثم‏)‏ ‏}‏ ولا أدري ما معنى قوله تعالى‏:‏ ‏{‏اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً‏}‏ إن كانت تلك المصلحة في ترويج البدعات يالله العجب من أمثال هذه القالة لم يعلموا أن في إشاعة البدع إماتة السنن وفي إماتتها إحياء الدين وعلومه والذي نفسي بيده إن دين الله الإسلام كامل تام غير ناقص ولا يحتاج إلى شيء في كماله وإتمامه ونصوصه مع أدلة السنة المطهرة كافية وافية شافية لجميع الحوادث والقضايا إلى يوم القيامة انتهى ما في الدين الخالص مختصراً‏.‏ قلت‏:‏ قوله بدعة ضلالة يروى بالإضافة ويجوز أن ينصب موصوفاً وصفة، وهذه الصفة ليست للاحتراز عن البدعة الحسنة بل هي صفة كاشفة للبدعة يدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏كل بدعة ضلالة‏"‏ كما في رواية أبي داود عن العرباض بن سارية رضي الله عنه ‏(‏لا يرضاها الله ورسوله‏)‏ هذا أيضاً صفة كاشفة بقوله بدعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن‏)‏ وأخرجه ابن ماجة والحديث ضعيف لضعف كثير بن عبد الله وقد اعترض على تحسين الترمذي لحديثه‏.‏ قال المنذري في الترغيب بعد نقل تحسين الترمذي بل كثير بن عبد الله متروك واه ولكن للحديث شواهد انتهى‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن أبيه‏)‏ هو عبد الله بن المثنى بن عبد الله ‏(‏عن علي بن زيد‏)‏ هو ابن جدعان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال لي‏)‏ أي وحدي أو مخاطباً لي من بين أصحابي ‏(‏يا بني‏)‏ بضم الباء تصغير ابن وهو تصغير لطف ومرحمة، ويدل على جواز هذا لمن ليس ابنه ومعناه اللطف وأنك عندي بمنزلة ولدي في الشفقة ‏(‏إن قدرت‏)‏ أي استطعت والمراد اجتهد قدر ما تقدر ‏(‏أن تصبح وتمسي‏)‏ أي تدخل في وقت الصباح والمساء والمراد جميع الليل والنهار ‏(‏ليس في قلبك‏)‏ الجملة حال من الفاعل تنازع فيه الفعلان أي وليس كائناً في قلبك ‏(‏غش‏)‏ بالكسر ضد النصح الذي هو إرادة الخير للمنصوح له ‏(‏لأحد‏)‏ وهو عام للمؤمن والكافر فإن نصيحة الكافر أن يجتهد في إيمانه ويسعى في خلاصه من ورطة الهلاك باليد واللسان والتآلف بما يقدر عليه من المال كذا ذكره الطيبي ‏(‏فافعل‏)‏ جزاء كناية عما سبق في الشرط أي افعل نصيحتك ‏(‏وذلك‏)‏ أي خلو القلب من الغش قال الطيبي وذلك إشارة إلى أنه رفيع المرتبة أي بعيد التناول ‏(‏من سنتي‏)‏ أي طريقتي ‏(‏ومن أحيا سنتي‏)‏ أي أظهرها وأشاعها بالقول أو العمل ‏(‏فقد أحياني ومن أحياني‏)‏ كذا في النسخ الحاضرة من الإحياء في المواضع الثلاثة‏.‏ وأورد صاحب المشكاة هذا الحديث نقلا عن الترمذي بلفظ‏:‏ من أحب سنتي فقد أحبني ومن أحبني كان معي في الجنة من الإحباب في المواضع الثلاثة فالظاهر أنه قد وقع في بعض نسخ الترمذي هكذا والله تعالى أعلم ‏(‏كان معي في الجنة‏)‏ أي معية مقاربة لا معية متحدة في الدرجة‏.‏ قال الله تعالى‏:‏ ‏"‏ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم‏"‏ الاَية ‏(‏وفي الحديث قصة طويلة‏)‏ لم أقف على من أخرج هذا الحديث بالقصة الطويلة فلينظر من أخرجه بها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وعلي بن زيد صدوق‏)‏ وضعفه غير واحد من أئمة الحديث ‏(‏وكان رفاعاً‏)‏ بفتح الراء وتشديد الفاء أي كان يرفع الأحاديث الموقوفة كثيراً ‏(‏وقد روى عباد‏)‏ بن ميسرة ‏(‏المنقري‏)‏ بكسر الميم وسكون النون البصري المعلم لين الحديث عابد من السابعة ‏(‏ولا غيره‏)‏ بالنصب عطف على هذا الحديث ‏(‏ومات أنس بن مالك سنة ثلاث وتسعين ومات سعيد بن المسيب بعده بسنتين الخ مقصود الترمذي بهذا أن المعاصرة بين أنس وبين سعيد بن المسيب ثابتة فيمكن سماعه منه‏)‏‏.‏

1659- باب في الانْتهَاءِ عَمّا نَهَى عَنْهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم

2749- حَدّثنا هَنّادُ، حدثنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عن الأَعْمَشِ، عن أَبي صَالحٍ، عن أَبي هُرَيْرَةَ قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏اتْرُكُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ، فَإِذَا حَدّثْتُكُمْ فَخُذُوا عَنّي‏.‏ فَإِنّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهمْ وَاخْتِلاَفِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏اتركوني ما تركتكم‏)‏ أي مدة تركي إياكم من التكليف ‏(‏فإنما هلك من كان قبلكم‏)‏ أي من اليهود والنصارى ‏(‏بكثرة سؤالهم‏)‏ كسؤال الرؤية والكلام وقضية البقرة ‏(‏واختلافهم‏)‏ عطف على الكثرة لا على السؤال لأن نفس الاختلاف موجب للهلاك من غير الكثرة ‏(‏على أنبيائهم‏)‏ يعتي إذا أمرهم الأنبياء بعد السؤال أو قبله واختلفوا عليهم فهلكوا واستحقوا الإهلاك، وفي رواية مسلم فإذا أمرتكم بشيء فأئتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه‏.‏ قال النووي في شرح مسلم فإذا أمرتكم بشيء فاتوا منه استطعتم‏.‏ هذا من قواعد الإسلام المهمة ومن جوامع الكلم التي أعطيها صلى الله عليه وسلم ويدخل فيه ما لا يحصى من الأحكام كالصلاة بأنواعها فإذا عجز عن بعض أركانها أو بعض شروطها أتى بالباقي، وإذا عجز عن بعض أعضاء الوضوء أو الغسل غسل الممكن وإذا وجد بعض ما يكفيه من الماء لطهارته أو لغسل النجاسة فعل الممكن وأشباه هذا غير منحصرة وأما قوله صلى الله عليه وسلم وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه فهو على اطلاقه فإن وجد عذر يبيحه كأكل الميتة عند الضرورة أو شرب الخمر عند الإكراه أو التلفظ بكلمة الكفر إذا أكره ونحو ذلك فهذا ليس منهياً عنه في هذا الحال‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه مسلم في صحيحه في كتاب الحج‏.‏

1660- باب ما جَاءَ في عَالِمِ المدِينَة

2750- حَدّثنا الْحَسَنُ بنُ الصّبّاحِ البَزّارُ، وَإِسْحَاقُ بنُ مُوسَى الأَنْصَارِيّ، قالا‏:‏ حدثنَا سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، عن ابنِ جُرَيْجٍ، عن أَبِي الزّبَيْرِ، عن أَبي صَالحٍ، عن أَبي هُرَيْرَةَ رِوَايَةً ‏"‏يُوشِكُ أَنْ يَضْرِبَ النّاسُ أَكْبادَ الإِبِلِ يَطْلُبُونَ العِلْمَ فَلاَ يَجِدُونَ أَحَداً أَعْلَمَ مِنْ عَالِمِ المَدِينَةِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ، وَهُوَ حَدِيثُ ابنِ عُيَيْنَةَ‏.‏ وَقد رُوِيَ عن ابنِ عُيَيْنَةَ أَنّهُ قالَ في هَذَا‏:‏ سئل مِنْ عَالِمِ المَدِينَةِ‏؟‏ فقال‏:‏ انه مَالِكُ بنُ أَنَسٍ‏.‏

وَقَالَ إِسْحَاقُ بنُ مُوسَى‏:‏ سَمِعْتُ ابنَ عُيَيْنَةَ قال هُوَ العُمَرِيّ الزّاهِدَ عَبْدُ العَزِيزِ بنُ عَبْدِ الله وَسَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مُوسَى يَقُولُ قالَ عَبْدُ الرّزّاقِ‏:‏ هُوَ مَالِكُ بنُ أَنَسٍ ‏(‏وَالعمري‏:‏ هو عبد العزيز بن عبد الله من ولد عَمر بن الخطاب‏)‏‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي هريرة رواية‏)‏ بالنصب على التمييز وهو كناية عن رفع الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلا لكان موقوفاً ‏(‏يوشك‏)‏ بالكسر والفتح لغة رديئة أي يقرب ‏(‏أن يضرب الناس‏)‏ هو في محل الرفع اسم ليوشك ولا حاجة إلى الخير لا شتمال الاسم على المسند والمسند إليه ‏(‏أكباد الإبل‏)‏ أي المحاذي لأكبادها يعني يرحلون ويسافرون في طلب العلم وهو كناية عن إسراع الإبل وإجهادها في السير‏.‏ قال الطيبي‏:‏ ضرب أكباد الإبل كناية عن السير السريع لأن من أراد ذلك يركب الإبل ويضرب على أكبادها بالرجل، وفي إيراد هذا القول تنبيه على أن طلبة العلم أشد الناس حرصاً وأعزهم مطلباً لأن الجد في الطلب إنما يكون بشدة الحرص وعزة المطلب، والمعنى‏:‏ قرب أن يأتي زمان يسير الناس سيراً شديداً في البلدان البعيدة ‏(‏يطلبون العلم‏)‏ حال أو بدل ‏(‏فلا يجدون أحداً‏)‏ أي في العالم ‏(‏أعلم من عالم المدينة‏)‏ قيل هذا في زمان الصحابة والتابعين وأما بعد ذلك فقد ظهرت العلماء الفحول في كل بلدة من بلاد الإسلام أكثر ما كانوا بالمدينة فالإضافة للجنس‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال في هذا من عالم المدينة‏)‏ قوله من عالم المدينة بيان لقوله هذا ‏(‏أنه مالك بن أنس‏)‏ يعني إمام دار الهجرة رحمه الله ‏(‏هو العمري الزاهد واسمه عبد العزيز بن عبد الله‏)‏ كذا فسر الترمذي العمري الزاهد بعبد العزيز بن عبد الله وقد صرح الحافظ في تهذيب التهذيب بأن العمري الزاهد هو ابنه عبد الله فقال في ترجمته عبد الله بن عبد العزيز بن عبد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوى العمري الزاهد المدني روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وسلم مرسلاً لما استعمل علياً على اليمن قال له قدم الوضيع قبل الشريف‏.‏ قدم الضعيف قبل القوي، وعن أبيه وغيره وعن ابن عيينة وغيره، قال النسائي ثقة وذكره ابن حبان في الثقات وقال كان من أزهد أهل زمانه وأشدهم تخلياً للعبادة وتوفي سنة أربع وثمانين ومائة‏.‏ وقال ابن سعد كان عابداً ناسكاً عالماً‏.‏ وقال الترمذي سمعت إسحاق يقول سمعت ابن عيينة يقول في قول النبي صلى الله عليه وسلم يوشك أن يضرب الناس أكباد الإبل‏.‏ الحديث هو العمري‏.‏ وقال ابن أبي خثيمة أخبرنا مصعب قال كان العمري يأمر بالمعروف ويتقدم بذلك على الخلفاء ويحتملون له ذلك‏.‏ وقال الزبير كان أزهد أهل زمانه وأعبدهم انتهى مختصراً‏.‏ وقال في التقريب في ترجمة عبد العزيز بن عبد الله ما لفظه‏:‏ عبد العزيز بن عبد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي المدني ثقة من السادسة وهو والد عبد الله الزاهد العمري انتهى‏.‏ فقول الترمذي واسمه عبد العزيز بن عبد الله ليس بصحيح والصواب أن اسم العمري الزاهد عبد الله بن عبد العزيز بن عبد الله‏.‏

1661- باب ما جَاءَ في فَضْل الْفِقهِ عَلَى العِبَادَة

2751- حَدّثنا مُحمّدُ بنُ إِسْمَاعِيلُ، حدثنَا إِبْرَاهِيمُ بنُ مُوسَى، أخبرنا الْوَلِيدُ هوَ ابنُ مُسْلِمٍ، أخبرنا رُوحُ بنُ جَنَاحٍ، عن مُجَاهِدٍ، عن ابنِ عَبّاسِ قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏فَقِيهٌ أَشَدّ عَلَى الشّيْطَانِ مِنْ أَلفِ عَابِدٍ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ غريبٌ وَلاَ نَعْرِفُهُ إِلاّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ‏.‏ مِنْ حَدِيثِ الوَلِيدِ بنِ مُسْلِمٍ‏.‏

2752- حدّثنا مَحْمُودُ بنِ خِدَاشٍ الْبَغْدَاديّ، أخبرنا مُحمّدُ بنُ يَزِيدَ الوَاسِطِيّ، أَخْبَرنَا عَاصِمُ بنُ رَجَاءِ بنِ حَيوَةَ، عن قَيْسِ بنِ كَثِيرٍ قالَ‏:‏ ‏"‏قَدِمَ رَجُلٌ مِنَ المَدِينَةِ عَلَى أَبي الدّرْدَاءِ وَهُوَ بِدِمَشْقَ فَقَالَ مَا أَقْدَمَكَ يَا أَخِي‏؟‏ فقالَ حَدِيثٌ بَلَغَنيِ أَنَكَ تُحَدِثُهُ عن رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، قالَ‏:‏ أَمَا جِئْتَ لِحَاجَةٍ‏؟‏ قالَ لاَ‏.‏ قالَ أَمَا قَدِمْتَ لِتِجَارَةٍ‏؟‏ قالَ لاَ‏.‏ قالَ مَا جِئتُ إِلاّ في طَلَبِ هَذَا الْحَدِيثِ‏.‏ قالَ‏:‏ فَإِنّي سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ‏:‏ مَنْ سَلَكَ طَرِيقاً يَبْتَغِي فِيِه عِلْماً سَلَكَ الله له طَرِيقاً إِلَى الْجَنّةِ، وَإِنّ المَلاَئِكَةَ لتَضَعُ أَجْنَحِتَهَا رِضًى لِطَالِبِ العِلْمِ، وَإِنّ العَالِم لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ في السّمَواتِ وَمَنْ في اْلأَرْضِ حَتّى الْحِيتَانُ في المَاءِ، وَفَضْلُ العَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ، كَفَضْلِ الْقَمَرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ، إِنّ العُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ، إنّ الاْنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرّثُوا دِينَاراً وَلاَ دِرْهَماً، إِنّمَا وَرّثُوا الْعِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَ بِهِ فَقَدْ أَخَذَ بِحَظٍ وَافِرٍ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ وَلاَ نَعْرِفُ هَذَا الْحَدِيثَ إِلاّ مِنْ حَدِيثِ عَاصِمِ بنِ رَجَاءِ بنِ حَيوَةَ، وَلَيْسَ إِسْنَادُهُ عِنْدِي بِمُتّصِلٍ هَكَذَا حدثنَا مَحْمُودُ بنُ خِدَاشٍ بهذا الإسناد، وَإِنّمَا يُرْوَى هَذَا الْحَدِيثُ عن عَاصِمِ بنِ رَجاءِ بنِ حَيْوَةَ، عن الوليد بنِ جَمِيلٍ، عن كَثِيرِ بنِ قَيْسٍ عن أَبي الدّرْدَاءِ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم وَهَذَا أَصَحّ مِنْ حَدِيثِ مَحْمُودِ بنِ خِدَاشٍ ورايُ محمد بن إِسْمَاعِيل هذا اصح‏.‏

2753- حدّثنا هَنّادٌ، أخبرنا أَبُو الأَحْوَصِ عن سَعِيدِ بنِ مَسْرُوقٍ عن ابنِ أَشْوَعَ عن يَزِيدَ بنِ سَلَمَةَ الْجُعْفِيّ قالَ‏:‏ ‏"‏قالَ يَزِيدُ بنُ سَلَمَةَ‏:‏ يَا رَسُولَ الله إِنّي قد سَمِعْتُ مِنْكَ حَدِيثاً كَثِيراً أَخَافُ أَنْ يُنْسِي أَوّلَهُ وآخِرُهُ‏.‏ فَحَدّثْنِي بِكَلِمَةِ تَكِونُ جِمَاعاً، قَالَ‏:‏ اتّقِ الله فِيمَا تعلم‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ لَيْسَ إِسْنَادُهُ بِمُتّصِلٍ وهُوَ عِنْدِي مُرْسَلٌ، وَلَمْ يُدْرِكْ عِنْدِي ابنُ أَشْوَعَ يَزِيدَ بنَ سَلْمَةَ‏.‏ وَابْنُ أَشْوَعَ اسْمُهُ سَعِيدُ بنُ أَشْوَعَ‏.‏

2754- حدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ، حدثنا خَلَفُ بنُ أَيّوبَ العامري عن عَوْفٍ عن ابنِ سِيرينَ عن أَبي هُرَيْرَةَ قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏خَصْلَتَانِ لاَ تَجْتَمِعَانِ في مُنَافِقٍ‏:‏ حُسْنُ سَمْتٍ وَلاَ فِقْهٌ في الدّينِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ غريبٌ، وَلاَ نَعْرِفُ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ حَدِيثِ عَوْفٍ إِلاّ مِنْ حَدِيثِ هذَا الشّيْخِ خَلَفِ بنِ أَيّوبَ الْعَامِريّ، وَلَمْ أَرَ أَحَداً يَرْوِي عَنْهُ غَيْرَ أبي كُرَيب محمد بنِ الْعَلاَءِ، وَلاَ أَدْرِي كَيْفَ هُوَ‏؟‏

2755- حدّثنا مُحَمّدُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى الصنعاني، أَخْبَرنَا سَلَمَةُ بنُ رَجَاءٍ، أَخْبَرنَا الْوَلِيدُ بنُ جَمِيلٍ، أَخْبَرنَا الْقَاسِمُ أَبُو عَبْدِ الرّحْمَنِ، عن أَبي أُمَامَةَ الْبَاهِليّ قالَ‏:‏ ‏"‏ذُكِرَ لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم رَجُلاَنِ أَحَدُهُمَا‏:‏ عَابِدٌ وَالاَخَرُ عَالِمٌ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ فَضْلُ الْعَالِمَ عَلَى العَابِدِ كَفَضْلِي عَلَى أَدْنَاكُمْ، ثُمَ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ إِنّ الله وَمَلاَئِكَتَهُ وَأَهْلَ السّمَوَاتِ وَالأَرَضِينَ حَتّى النّمْلَةَ في جُحْرِهَا وَحَتّى الْحُوتَ لَيُصَلّونَ عَلَى مُعَلّمِ النّاسِ الْخَيْرَ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ صحيحٌ‏.‏ قالَ‏:‏ سَمِعتُ أَبَا عَمّارٍ الْحُسَيْنَ بنَ حُرَيْثٍ الْخُزَاعِيّ يَقُولُ سَمِعْتُ الفُضَيْلَ بنَ عِيَاضٍ يَقُولُ‏:‏ عَالِمٌ عَامِلٌ مُعَلّمُ يُدْعَى كَبِيراً في مَلَكُوتِ السّمَوَاتِ‏.‏

2756- حدّثنا عُمَرُ بنُ حَفْصٍ الشّيْبَانِيّ البَصْرِيّ، حدثنا عَبْدُ الله بنُ وَهْبٍ، عن عَمْرِو بنِ الْحَارِثِ عن دَرّاجٍ، عن أَبي الهَيْثَمِ، عن أَبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ عن رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏لَنْ يُشْبَعَ المُؤْمِنُ مِنْ خَيْرٍ يَسْمَعُهُ حَتّى يَكُونَ مُنْتَهَاه الْجَنّةُ‏"‏ هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ‏.‏

2757- حدّثنا مُحمّدُ بنُ عُمَرَ بنِ الْوَلِيدِ الْكِنْدِيّ، حدثنا عَبْدُ الله بنُ نُمَيْرٍ، عن إِبرَاهِيمَ بنِ الْفَضْلِ، عن سَعِيِدٍ المَقْبُرِيّ عن أَبي هُرَيْرَةَ قالَ‏:‏ قالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏الكَلِمَةُ الْحِكْمَةُ ضَالّةُ المُؤمِنِ، فَحَيْثُ وَجَدَها فَهُوَ أَحَقّ بِهَا‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ غَريبٌ لاَ نَعْرِفُهُ إِلاّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَإِبْرَاهِيمُ بنُ الفَضْلِ المدني المَخْزُومِيّ ضعِيفٌ في الحَديثِ من قبل حفظه‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا محمد بن إسماعيل‏)‏ هو الإمام البخاري رحمه الله ‏(‏أخبرنا إبراهيم ابن موسى‏)‏ هو المعروف بالصغير ‏(‏أخبرنا روح بن جناح‏)‏ الأموي مولاهم أبو سعد الدمشقي ضعيف اتهمه ابن حبان من السابعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقيه‏)‏ وفي رواية ابن ماجه فقيه واحد ‏(‏أشد على الشيطان‏)‏ لأن الفقيه لا يقبل إغواءه ويأمر الناس بالخير على ضد ما يأمرهم بالشر ‏(‏من ألف عابد‏)‏ قيل المراد الكثرة وذلك لأن الشيطان كلما فتح باباً من الأهواء على الناس وزين الشهوات في قلوبهم بين الفقيه العارف بمكائده ومكامن غوائله للمريد السالك ما يسد ذلك الباب ويجعله خائباً خاسراً بخلاف العابد فإنه ربما يشتغل بالعبادة وهو في حبائل الشيطان ولا يدري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ قال الحافظ في تهذيب التهذيب‏:‏ قال الساجي هو حديث منكر قال الشوكاني في الفوائد المجموعة حديث‏:‏ ما عبد الله بشيء أفضل من فقه في الدين، وفقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد، ولكل شيء عماد وعماد هذا الدين الفقه‏.‏ قال في المختصر ضعيف وفي المقاصد‏:‏ لفقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد‏.‏ أسانيده ضعيفة لكنه يتقوى بعضها ببعض‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عاصم بن رجاء بن حيوة‏)‏ الكندي الفلسطيني صدوق يهم من الثامنة ‏(‏عن قيس بن كثير‏)‏ قال الحافظ في التقريب‏:‏ كثير بن قيس الشامي ويقال قيس بن كثير والأول أكثر ضعيف من الثالثة‏.‏ وقال في تهذيب التهذيب‏:‏ كثير ابن قيس ويقال قيس بن كثير شامي، روى عن أبي الدرداء في فضل العلم وعنه داود بن جميل جاء في أكثر الروايات أنه كثير بن قيس على اختلاف في الإسناد إليه وتفرد محمد بن يزيد الواسطي في إحدى الروايتين عنه بتسمية قيس بن كثير وهو وهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من المدينة‏)‏ المنورة ‏(‏وهو‏)‏ أي أبو الدرداء ‏(‏بدمشق‏)‏ بكسر الدال وفتح الميم ويكسر ‏(‏ما أقدمك‏)‏ ما استفهامية أي أي شيء جاء بك هنا ‏(‏حديث‏)‏ أي أقدمني حديث يعني جئتك لتحدثني به ‏(‏أما جئت‏)‏ بهمزة الاستفهام وما نافية ‏(‏من سلك‏)‏ أي دخل أو مشى ‏(‏طريقاً‏)‏ أي قريباً أو بعيداً ‏(‏يبتغي فيه‏)‏ أي في ذلك الطريق أو في ذلك المسلك أو في سلوكه ‏(‏علماً‏)‏ قال الطيبي‏:‏ وإنما أطلق الطريق والعلم ليشملا في جنسهما أي طريق كان من مفارسة الأوطان والضرب في البلدان إلى غير ذلك، وأي علم كان من علوم الدين قليلاً أو كثيراً رفعياً أو غير رفيع ‏(‏سلك الله به‏)‏ الضمير عائد إلى من والباء للتعدية أي جعله سالكاً ووفقه أن يسلك طريق الجنة، وقيل عائد إلى العلم والباء للسببية وسلك بمعنى سهل والعائد إلى من محذوف والمعنى سهل الله له بسبب العلم ‏(‏طريقاً إلى الجنة‏)‏ فعلى الأول سلك من السلوك وعلى الثاني من السلك والمفعول محذوف كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ويسلكه عذاباً صعدا‏}‏ قيل عذاباً مفعول ثان‏.‏ وعلى التقدير نسبة سلك إلى الله تعالى على طريق المشاكلة كذا قال الطيبي ‏(‏لتضع أجنحتها‏)‏ جمع جناح ‏(‏رضي‏)‏ حال أو مفعول له على معنى إرادة رضا ليكون فعلا لفاعل الفعل المعلل به ‏(‏لطالب العلم‏)‏ اللام متعلق برضا وقيل التقدير لأجل الرضا الواصل منها إليه أو لأجل إرضائها لطالب العلم بما يصنع من حيازة الوراثة العظمى وسلوك السنن الأسنى‏.‏ قال زين العرب وغيره قيل معناه أنها تتواضع لطالبه توقيراً لعلمه كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏واخفض لهما جناح الذل من الرحمة‏}‏ أي تواضع لهما أو المراد الكف عن الطيران والنزول للذكر كقوله في حديث أبي هريرة‏:‏ وحفت بهم الملائكة أو معناه المعونة وتيسير المؤونة بالسعي في طلبه، أو المراد تليين الجانب والانقياد وألفيء عليه بالرحمة والانعطاف أو المراد حقيقته وإن لم تشاهد وهي فرش الجناح وبسطها لطالب العلم لتحمله عليها وتبلغه مقعده من البلاد، نقله السيد جمال الدين ونقل ابن القيم عن أحمد بن شعيب‏.‏ قال‏:‏ كنا عند بعض المحدثين بالبصرة فحدثنا بهذا الحديث وفي المجلس شخص من المعتزلة فجعل يستهزئ بالحديث فقال والله لأطرقن غداً نعلي وأطأ بها أجنحة الملائكة ففعل ومشى في النعلين فحفت رجلاه ووقعت فيهما الأكلة‏.‏ وقال الطبراني‏:‏ سمعت ابن يحيى الساجي يقول‏:‏ كنا نمشي في أزقة البصرة إلى باب بعض المحدثين فأسرعنا المشي وكان معنا رجل ماجن متهم في دينه فقال ارفعوا أرجلكم عن أجنحة الملائكة لا تكسروها كالمستهزئ بالحديث فما زال عن موضعه حتى حفت رجلاه وسقط إلى الأرض انتهى‏.‏ والحفاء القدم على ما في القاموس، وفي رواية في السنن والمسانيد عن صفوان بن عسال قال‏:‏ قلت يا رسول الله جئت أطلب العلم‏.‏ قال‏:‏ مرحباً بطالب العلم إن طالب العلم لتحف به الملائكة وتظله بأجنحتها فيركب بعضها على بعض حتى تبلغ السماء الدنيا من حبهم لما يطلب‏.‏ نقله الشيخ ابن القيم وقال الحاكم‏:‏ إسناده صحيح كذا في المرقاة ‏(‏وإن العالم ليستغفر له‏)‏ قال الطيبي هو مجاز من إرادة استقامة حال المستغفر له انتهى‏.‏ قال القاري والحقيقة أولى ‏(‏حتى الحيتان‏)‏ جمع الحوت خص لدفع إيهام أن من في الأرض لا يشمل من في البحر كذا قيل ‏(‏وفضل العالم‏)‏ أي الغالب عليه العلم وهو الذي يقوم بنشر العلم بعد أدائه ما توجه إليه من الفرائض والسنن المؤكدة ‏(‏على العابد‏)‏ أي الغالب عليه العبادة وهو الذي يصرف أوقاته بالنوافل مع كونه عالماً بما تصح به العبادة ‏(‏كفضل القمر‏)‏ أي ليلة البدر كما في رواية ‏(‏على سائر الكواكب‏)‏ قال القاضي‏:‏ شبه العالم بالقمر والعابد بالكواكب لأن كمال العبادة ونورها لا يتعدى من العابد ونور العالم يتعدى إلى غيره ‏(‏إن العلماء ورثة الأنبياء‏)‏ وإنما لم يقل ورثة الرسل ليشمل الكل‏.‏

قاله ابن الملك ‏(‏لم يورثوا‏)‏ بالتشديد من التوريث ‏(‏ديناراً ولا درهماً‏)‏ أي شيئاً من الدنيا، وخصاً لأنهما أغلب أنواعها وذلك إشارة إلى زوال الدنيا وأنهم لم يأخذوا منها إلا بقدر ضرورتهم فلم يورثوا شيئاً منها لئلا يتوهم أنهم كانوا يطلبون شيئاً منها يورث عنهم ‏(‏فمن أخذ به‏)‏ أي بالعلم ‏(‏فقد أخذ بحظ وافر‏)‏ أي أخذ حظاً وافراً يعني نصيباً تاماً أي لا حظ أوفر منه والباء زائدة للتأكيد، أو المراد أخذه متلبساً بحظ وافر من ميراث النبوة، ويجوز أن يكون أخذ بمعنى الأمر أي فمن أراد أخذه فليأخذ بحظ وافر ولا يقتنع بقليل ‏(‏هكذا حدثنا محمود بن خداش هذا الحديث‏)‏ يعني عن عاصم بن رجاء عن قيس بن كثير من غير واسطة بينهما ‏(‏وإنما يروى هذا الحديث عن عاصم بن رجاء بن حيوة عن داود بن جميل عن كثير بن قيس‏)‏ يعني بزيادة داود بن جميل بن عاصم بن رجاء وكثير بن قيس، وكذلك رواه أبو داود وابن ماجه وداود بن جميل هذا ضعيف ويقال اسمه‏:‏ الوليد كذا في التقريب، قال في تهذيب التهذيب روى عن كثير بن قيس على خلاف فيه وعنه عاصم بن رجاء بن حيوة ذكره ابن حبان في الثقات وفي إسناد حديثه اختلاف، وقال الدارقطني مجهول وقال مرة‏:‏ هو ومن فوقه إلى أبي الدرداء ضعفاء ‏(‏وهذا أصح من حديث محمود بن خداش‏)‏ أي هذا الحديث الذي يروى عن عاصم عن داود بن جميل عن كثير بن قيس أصح من حديث محمود بن خداش المذكور في هذا الباب بإسقاط داود بن جميل، وحديث أبي الدرداء هذا أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه والدارمي وقال المنذري في تلخيص السنن‏:‏ قد اختلف في هذا الحديث اختلافاً كثيراً ثم ذكره مفصلاً من شاء الوقوف على ذلك فليراجعه‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا أبو الأحوص‏)‏ اسمه سلام بن سليم ‏(‏عن ابن أشوع‏)‏ قال في التقريب سعيد بن عمرو بن أشوع الهمداني الكوفي قاضيها ثقة رمي بالتشيع من السادسة ‏(‏عن يزيد بن سلمة‏)‏ بن يزيد ‏(‏الجعفي‏)‏ صحابي له حديث ويقال إنه نزل الكوفة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أخاف أن ينسى‏)‏ بضم التحتية من الإنساء ‏(‏أوله‏)‏ بالنصب على المفعولية ‏(‏آخره‏)‏ بالرفع على الفاعلية ‏(‏تكون جماعاً‏)‏ بكسر الجيم قال في المجمع الجماع ما جمع عدداً أي كلمة تجمع كلمات ‏(‏اتق الله‏)‏ أي خفه واخش عقابه ‏(‏فيما تعلم‏)‏ أي في الشيء الذي تعلمه وذلك بأن تجتنب المنهى عنه كله وتفعل من المأمور به ما تستطيعه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث الخ‏)‏ وأخرجه البخاري في التاريخ الكبير ‏(‏وابن أشوع اسمه سعيد بن أشوع‏)‏ أشوع هو جد سعيد واسم أبيه عمرو كما عرفت‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا أبو كريب‏)‏ اسمه محمد بن العلاء ‏(‏حدثنا خلف بن أيوب العامري‏)‏ أبو سعيد البلخي فقيه من أهل الرأي ضعفه يحيى بن معين ورمي بالإرجاء من التاسعة ‏(‏عن عوف‏)‏ هو ابن أبي جميلة ‏(‏عن ابن سيرين‏)‏ هو محمد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏خصلتان لا تجتمعان في منافق‏)‏ بأن تكون فيه واحدة دون الأخرى أو لا يكونا فيه بأن لا توجد واحدة منهما فيه وإنما عبر بالاجتماع تحريضاً للمؤمنين على جمعهما وزجراً لهم عن الاتصاف بأحدهما‏.‏ والمنافق إما حقيقي وهو النفاق الاعتقادي أو مجازي وهو المرائي وهو النفاق الملي ‏(‏حسن سمت‏)‏ أي خلق وسيرة وطريقة‏.‏ قال الطيبي‏:‏ هو التزيي بزي الصالحين‏.‏ وقال ميرك‏:‏ السمت بمعنى الطريق أعني المقصد وقيل المراد هيئة أهل الخير والأحسن ما قاله ابن حجر أنه تحرى طرق الخير والتزيي بزي الصالحين مع التنزه عن المعائب الظاهرة والباطنة ‏(‏ولا فقه في الدين‏)‏ عطف بلا لأن حسن سمت في سياق النفي فلا لتأكيد النفي المساق‏.‏ قال التوربشتي‏:‏ حقيقة الفقه في الدين ما وقع في القلب ثم ظهر على اللسان فأفاد العمل وأورث الخشية والتقوى، وأما الذي يتدارس أبواباً منه ليتعزز به ويتأكل به فإنه بمعزل عن الرتبة العظمى لأن الفقه تعلق بلسانه دون قلبه ولهذا قال علي كرم الله وجهه ولكني أخشى عليكم كل منافق عليم اللسان‏.‏ قيل ليس المراد أن إحداهما قد يحصل دون الأخرى بل هو تحريض للمؤمنين على الاتصاف بهما والاجتناب عن أضدادهما، فإن المنافق من يكون عارياً منهما وهو من باب التغليظ ونحوه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فويل للمشركين الذي لا يؤتون الزكاة‏}‏ إذ فيه حث على أدائها وتخويف من المنع حيث جعله من أوصاف المشركين كذا قاله الطيبي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب‏)‏ وهو ضعيف لضعف خلف بن أيوب ‏(‏ولا أدري كيف هو‏)‏ أي كيف حال خلف بن أيوب‏.‏ قال الحافظ في تهذيب التهذيب‏:‏ وقد ذكره الحاكم في تاريخ نيسابور وأطال ترجمته وقال فيه فقيه أهل بلخ وزاهدهم تفقه بأبي يوسف وابن أبي ليلى وأخذ الزهد عن إبراهيم بن أدهم، روى عنه يحيى بن معين وذكر جماعة قال وكان قدومه إلى نيسابور سنة 203 وتوفي في شهر رمضان سنة 215، وقال العقيلي عن أحمد حدث عن عوف وقيس بمناكير وكان مرجئاً، وقال معاوية بن صالح عن يحيى بن معين ضعيف، وقال الخليلي صدوق مشهور كان يوصف بالستر والصلاح والزهد وكان فقيهاً على رأي الكوفيين، وذكره ابن حبان في الثقات وقال كان مرجئاً غالياً استحب مجانبة حديثه لتعصبه انتهى‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا محمد بن عبد الأعلى‏)‏ هو الصنعاني ‏(‏أخبرنا سلمة بن رجاء‏)‏ التميمي أبو عبد الرحمن الكوفي صدوق يغرب من الثامنة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ذكر‏)‏ بصيغة المجهول ‏(‏رجلان‏)‏ قال القاري يحتمل أن يكون تمثيلاً وأن يكونا موجودين في الخارج قبل زمانه أو في أوانه ‏(‏أحدهما عابد‏)‏ أي كامل في العبادة ‏(‏والاَخر عالم‏)‏ أي كامل بالعلم ‏(‏فضل العالم‏)‏ بالعلوم الشرعية مع القيام بفرائض العبودية ‏(‏على العابد‏)‏ أي على المتجرد للعبادة بعد تحصيل قدر الفرض من العلوم ‏(‏كفضلي على أدناكم‏)‏ أي نسبة شرف العالم إلى شرف العابد كنسبة شرف الرسول إلى شرف أدنى الصحابة‏.‏ قال القاري فيه مبالغة لا تخفي فإنه لو قال كفضلي على أعلاكم لكفي فضلاً وشرفاً، والظاهر أن اللام فيهما للجنس فالحكم عام ويحتمل العهد فغيرهما يؤخذ بالمقايسة ‏(‏ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله‏)‏ استئناف فيه تعليل ‏(‏وملائكته‏)‏ قال القاري أي حملة العرش وقوله ‏(‏وأهل السموات‏)‏ تعميم بعد تخصيص انتهى ‏(‏والأرضين‏)‏ أي أهل الأرضين من الإنس والجن وجميع الحيوانات ‏(‏حتى النملة‏)‏ بالنصب على أن حتى عاطفة وبالجر على أنها جارة وبالرفع على أنها ابتدائية والأول أصح ‏(‏في جحرها‏)‏ بضم الجيم وسكون الحاء أي ثقبها‏.‏ قال الطيبي وصلاته بحصول البركة النازلة من السماء ‏(‏وحتى الحوت‏)‏ كما تقدم وهما غايتان مستوعبتان لدواب البر والبحر ‏(‏ليصلون‏)‏ فيه تغليب للعقلاء على غيرهم أي يدعون بالخير ‏(‏على معلم الناس الخير‏)‏ قيل أراد بالخير هنا علم الدين وما به نجاة الرجل ولم يطلق المعلم ليعلم أن استحقاق الدعاء لأجل تعليم علم موصول إلى الخير انتهى وفيه إشارة إلى وجه الأفضلية بأن نفع العلم متعد ونفع العبادة قاصر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب صحيح‏)‏ ورواه الدارمي عن مكحول مرسلاً ولم يذكر رجلان وقال فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم ثم تلا هذه الاَية‏:‏ ‏(‏إنما يخشى الله من عباده العلماء‏)‏ وسرد الحديث إلى آخره كذا في المشكاة‏.‏ وقال المنذري في الترغيب بعد ذكر حديث أبي أمامة ما لفظه‏:‏ رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح، ورواه البزار من حديث عائشة مختصراً قال‏:‏ معلم الخير يستغفر له كل شيء حتى الحيتان في البحر انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يدعي كبيراً في ملكوت السموات‏)‏ أي في ملك السموات والمعنى أن أهل السموات يدعونه كبيراً لكبر شأنه لجمعه العلم والعمل والتعليم وهذا قول قضيل ولم أقف على حديث مرفوع يدل على هذا‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏لن يشبع المؤمن‏)‏ أي الكامل ‏(‏من خير‏)‏ أي علم ‏(‏حتى يكون‏)‏ لما كان يشبع مضارعاً دالاً على الاستمرار تعلق به حتى ‏(‏منتهاه‏)‏ أي غايته ونهايته ‏(‏الجنة‏)‏ بالنصب على الخبرية أو الرفع على الاسمية يعني حتى يموت فيدخل الجنة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه ابن حبان‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏الكلمة الحكمة‏)‏ قال مالك الحكمة هي الفقه في الدين قال تعالى‏:‏ ‏{‏يؤتى الحكمة من يشاء‏}‏ الاَية، وقيل التي أحكمت مبانيها بالنقل والعقل دالة على معنى فيه دقة مصونة معانيها عن الاختلال والخطأ والفساد، وقال السيد جمال الدين جعلت الكلمة نفس الحكمة مبالغة كقولهم رجل عدل ويروى كلمة الحكمة بالإضافة من إضافة الموصوف إلى الصفة ويروى الكلمة الحكيمة على طريق الإسناد المجازي لأن الحكيم قائلها كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏يس والقرآن الحكيم‏}‏ كذا في شرح الطيبي ‏(‏ضالة المؤمن‏)‏ أي مطلوبه ‏(‏فهو أحق بها‏)‏ أي بقبولها‏.‏ قال السيد جمال الدين يعني أن الحكيم يطلب الحكمة فإذا وجدها فهو أحق بها أي بالعمل بها واتباعها، أو المعنى أن كلمة الحكمة ربما تفوه بها من ليس لها بأهل ثم وقعت إلى أهلها فهو أحق بها من قائلها من غير التفات إلى خساسة من وجدها عنده، أو المعنى أن الناس يتفاوتون في فهم المعاني واستنباط الحقائق المحتجبة واستكشاف الأسرار المرموزة فينبغي أن لا ينكر من قصر فهمه عن إدراك حقائق الاَيات ودقائق الأحاديث على من رزق فهماً وألهم تحقيقاً كما لا ينازع صاحب الضالة في ضالته إذا وجدها أو كما أن الضالة إذا وجدت مضيعة فلا تترك بل تؤخذ ويتفحص عن صاحبها حتى ترد عليه كذلك السامع إذا سمع كلاماً لا يفهم معناه ولا يبلغ كنهه فعليه أن لا يضيعه وأن يحمله إلى من هو أفقه منه فلعله يفهم أو يستنبط منه ما لا يفهمه ولا يستنبطه هو، أو كما أنه لا يحل منع صاحب الضالة عنها فإنه أحق بها كذلك العالم إذا سئل عن معنى لا يحل له كتمانه إذا رأى في السائل استعداداً لفهمه‏.‏ كذا قاله زين العرب تبعاً للطيبي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب‏)‏ وأخرجه ابن ماجه وأخرجه ابن عساكر عن علي كما في الجامع الصغير قال المناوي بإسناد حسن‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وإبراهيم بن الفضل المخزومي ضعيف في الحديث‏)‏ قال في التقريب إبراهيم بن الفضل المخزومي المدني أبو إسحاق، ويقال إبراهيم بن إسحاق متروك من الثامنة‏.‏